Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 64-69)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى عن حالة الدنيا والآخرة ، وفي ضمن ذلك ، التزهيد في الدنيا والتشويق للأخرى ، فقال : { وَمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَآ } في الحقيقة { إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ } تلهو بها القلوب ، وتلعب بها الأبدان ، بسبب ما جعل اللّه فيها من الزينة واللذات ، والشهوات الخالبة للقلوب المعرضة ، الباهجة للعيون الغافلة ، المفرحة للنفوس المبطلة الباطلة ، ثم تزول سريعاً ، وتنقضي جميعاً ، ولم يحصل منها محبها إلا على الندم والحسرة والخسران . وأما الدار الآخرة ، فإنها دار { ٱلْحَيَوَانُ } أي : الحياة الكاملة ، التي من لوازمها ، أن تكون أبدان أهلها في غاية القوة ، وقواهم في غاية الشدة ، لأنها أبدان وقوى خلقت للحياة ، وأن يكون موجوداً فيها كل ما تكمل به الحياة ، وتتم به اللذات ، من مفرحات القلوب ، وشهوات الأبدان ، من المآكل ، والمشارب ، والمناكح ، وغير ذلك ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } لما آثروا الدنيا على الآخرة ، ولو كانوا يعقلون لما رغبوا عن دار الحيوان ، ورغبوا في دار اللهو واللعب ، فدل ذلك على أن الذين يعلمون ، لا بد أن يؤثروا الآخرة على الدنيا ، لما يعلمونه من حالة الدارين . ثم ألزم تعالى المشركين بإخلاصهم للّه تعالى ، في حالة الشدة ، عند ركوب البحر وتلاطم أمواجه وخوفهم الهلاك ، يتركون إذاً أندادهم ، ويخلصون الدعاء للّه وحده لا شريك له ، فلما زالت عنهم الشدة ، ونجى مَنْ أخلصوا له الدعاء إلى البر ، أشركوا به من لا نجاهم من شدة ، ولا أزال عنهم مشقة . فهلا أخلصوا للّه الدعاء في حال الرخاء والشدة ، واليسر والعسر ، ليكونوا مؤمنين به حقاً ، مستحقين ثوابه ، مندفعاً عنهم عقابه . ولكن شركهم هذا بعد نعمتنا عليهم ، بالنجاة من البحر ، ليكون عاقبته كفر ما آتيناهم ، ومقابلة النعمة بالإساءة ، وليكملوا تمتعهم في الدنيا ، الذي هو كتمتع الأنعام ، ليس لهم همٌّ إلاّ بطونهم وفروجهم . { فَسَوْفَ يَعلَمُونَ } حين ينتقلون من الدنيا إلى الآخرة ، شدة الأسف وأليم العقوبة . ثم امتنَّ عليهم بحرمه الآمن ، وأنهم أهله في أمن وسعة ورزق ، والناس من حولهم يتخطفون ويخافون ، أفلا يعبدون الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف . { أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ } وهو ما هم عليه من الشرك ، والأقوال ، والأفعال الباطلة . { وَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ } هم { يَكْفُرُونَ } فأين ذهبت عقولهم ، وانسلخت أحلامهم حيث آثروا الضلال على الهدى ، والباطل على الحق ، والشقاء على السعادة ، وحيث كانوا أظلم الخلق . { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } فنسب ما هو عليه من الضلال والباطل إلى اللّه ، { أَوْ كَذَّبَ بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُ } على يد رسوله محمد صلى اللّه عليه وسلم . ولكن هذا الظالم العنيد ، أمامه جهنم { أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ } يؤخذ بها منهم الحق ، ويخزون بها ، وتكون منزلهم الدائم ، الذين لا يخرجون منه . { وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا } وهم الذين هاجروا في سبيل اللّه ، وجاهدوا أعداءهم ، وبذلوا مجهودهم في اتباع مرضاته ، { لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } أي : الطرق الموصلة إلينا ، وذلك لأنهم محسنون . { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ } بالعون والنصر والهداية . دلّ هذا ، على أن أحرى الناس بموافقة الصواب أهل الجهاد ، وعلى أن من أحسن فيما أمر به أعانه اللّه ويسر له أسباب الهداية ، وعلى أن مَنْ جد واجتهد في طلب العلم الشرعي ، فإنه يحصل له من الهداية والمعونة على تحصيل مطلوبه أمور إلهية ، خارجة عن مدرك اجتهاده ، وتيسر له أمر العلم ، فإن طلب العلم الشرعي من الجهاد في سبيل اللّه ، بل هو أحد نَوْعَي الجهاد ، الذي لا يقوم به إلاّ خواص الخلق ، وهو الجهاد بالقول واللسان ، للكفار والمنافقين ، والجهاد على تعليم أمور الدين ، وعلى رد نزاع المخالفين للحق ، ولو كانوا من المسلمين .