Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 187-188)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الميثاق هو العهد الثقيل المؤكد ، وهذا الميثاق أخذه الله تعالى على كل من أعطاه [ الله ] الكتب وعلمه العلم ، أن يبين للناس ما يحتاجون إليه مما علمه الله ، ولا يكتمهم ذلك ، ويبخل عليهم به ، خصوصاً إذا سألوه ، أو وقع ما يوجب ذلك ، فإن كل من عنده علم يجب عليه في تلك الحال أن يبيّنه ، ويوضح الحق من الباطل . فأما الموفقون ، فقاموا بهذا أتم القيام ، وعلموا الناس مما علمهم الله ، ابتغاء مرضاة ربهم ، وشفقة على الخلق ، وخوفاً من إثم الكتمان . وأما الذين أوتوا الكتاب ، من اليهود والنصارى ومن شابههم ، فنبذوا هذه العهود والمواثيق وراء ظهورهم ، فلم يعبأوا بها ، فكتموا الحق ، وأظهروا الباطل ، تجرؤاً على محارم الله ، وتهاوناً بحقوق الله ، وحقوق الخلق ، واشتروا بذلك الكتمان ثمناً قليلاً ، وهو ما يحصل لهم إن حصل من بعض الرياسات ، والأموال الحقيرة ، من سفلتهم المتبعين أهواءهم ، المقدمين شهواتهم على الحق ، { فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } لأنه أخس العوض ، والذي رغبوا عنه - وهو بيان الحق ، الذي فيه السعادة الأبدية ، والمصالح الدينية والدنيوية - أعظم المطالب وأجلها ، فلم يختاروا الدنيء الخسيس ويتركوا العالي النفيس ، إلا لسوء حظهم وهوانهم ، وكونهم لا يصلحون لغير ما خلقوا له . ثم قال تعالى : { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ } أي : من القبائح والباطل القولي والفعلي . { وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ } أي : بالخير الذي لم يفعلوه ، والحق الذي لم يقولوه ، فجمعوا بين فعل الشر وقوله ، والفرح بذلك ومحبة أن يحمدوا على فعل الخير الذي ما فعلوه . { فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ ٱلْعَذَابِ } أي : بمحل نجوة منه وسلامة ، بل قد استحقوه ، وسيصيرون إليه ، ولهذا قال : { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } . ويدخل في هذه الآية الكريمة أهل الكتاب الذين فرحوا بما عندهم من العلم ، ولم ينقادوا للرسول ، وزعموا أنهم هم المحقون في حالهم ومقالهم ، وكذلك كل من ابتدع بدعة قولية أو فعلية ، وفرح بها ، ودعا إليها ، وزعم أنه محق وغيره مبطل ، كما هو الواقع من أهل البدع . ودلت الآية بمفهومها على أن من أحب أن يحمد ويثنى عليه بما فعله من الخير واتباع الحق ، إذا لم يكن قصده بذلك الرياء والسمعة ، أنه غير مذموم ، بل هذا من الأمور المطلوبة ، التي أخبر الله أنه يجزي بها المحسنين له الأعمال والأقوال ، وأنه جازى بها خواص خلقه ، وسألوها منه ، كما قال إبراهيم عليه السلام : { وَٱجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي ٱلآخِرِينَ } [ الشعراء : 84 ] وقال : { سَلاَمٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي ٱلْعَالَمِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } [ الصافات : 79 - 80 ] وقد قال عباد الرحمن : { وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } [ الفرقان : 74 ] وهي من نعم الباري على عبده ، ومننه التي تحتاج إلى الشكر .