Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 31, Ayat: 12-19)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يٰبُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } إلى آخر القصة . يخبر تعالى عن امتنانه على عبده الفاضل لقمان ، بالحكمة ، وهي العلم [ بالحق ] على وجهه وحكمته ، فهي العلم بالأحكام ، ومعرفة ما فيها من الأسرار والإحكام ، فقد يكون الإنسان عالماً ولا يكون حكيماً . وأما الحكمة ، فهي مستلزمة للعلم ، بل وللعمل ، ولهذا فسرت الحكمة بالعلم النافع والعمل الصالح . ولما أعطاه اللّه هذه المنة العظيمة ، أمره أن يشكره على ما أعطاه ، ليبارك له فيه ، وليزيده من فضله ، وأخبره أن شكر الشاكرين ، يعود نفعه عليهم ، وأن مَنْ كفر فلم يشكر اللّه ، عاد وبال ذلك عليه . والله غني [ عنه ] حميد فيما يقدره ويقضيه على مَنْ خالف أمره ، فغناه تعالى ، من لوازم ذاته ، وكونه حميداً في صفات كماله ، حميداً في جميل صنعه ، من لوازم ذاته ، وكل واحد من الوصفين صفة كمال ، واجتماع أحدهما إلى الآخر زيادة كمال إلى كمال . واختلف المفسرون ، هل كان لقمان نبياً ، أو عبداً صالحاً ؟ واللّه تعالى لم يذكر عنه إلا أنه آتاه الحكمة ، وذكر بعض ما يدل على حكمته في وعظه لابنه ، فذكر أصول الحكمة وقواعدها الكبار ، فقال : { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ } . أو قال له قولاً به يعظه بالأمر والنهي ، المقرون بالترغيب والترهيب ، فأمره بالإخلاص ، ونهاه عن الشرك ، وبيَّن له السبب في ذلك فقال : { إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } ووجه كونه عظيماً ، أنه لا أفظع وأبشع ممن سَوَّى المخلوق من تراب بمالك الرقاب ، وسوَّى الذي لا يملك من الأمر شيئاً بمن له الأمر كله ، وسوَّى الناقص الفقير من جميع الوجوه بالرب الكامل الغني من جميع الوجوه ، وسوَّى مَنْ لم يُنعم بمثقال ذرة [ من النعم ] بالذي ما بالخلق من نعمة في دينهم ودنياهم وأخراهم وقلوبهم وأبدانهم إلا منه ، ولا يصرف السوء إلا هو ، فهل أعظم من هذا الظلم شيء ؟ ؟ ! وهل أعظم ظلماً ممن خلقه اللّه لعبادته وتوحيده ، فذهب بنفسه الشريفة ، [ فجعلها في أخس المراتب ] جعلها عابدة لمن لا يسوى شيئاً ، فظلم نفسه ظلماً كبيراً . ولما أمر بالقيام بحقه ، بترك الشرك الذي من لوازمه القيام بالتوحيد ، أمر بالقيام بحق الوالدين ، فقال : { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ } أي : عهدنا إليه ، وجعلناه وصية عنده ، سنسأله عن القيام بها ، وهل حفظها أم لا ؟ فوصيناه { بِوَالِدَيْهِ } وقلنا له : { ٱشْكُرْ لِي } بالقيام بعبوديتي وأداء حقوقي ، وأن لا تستعين بنعمي على معصيتي ، { وَلِوَالِدَيْكَ } بالإحسان إليهما بالقول اللين ، والكلام اللطيف ، والفعل الجميل ، والتواضع لهما [ وإكرامهما ] وإجلالهما ، والقيام بمؤونتهما واجتناب الإساءة إليهما من كل وجه ، بالقول والفعل . فوصيناه بهذه الوصية ، وأخبرناه أن { إِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ } أي : سترجع أيها الإنسان إلى مَنْ وصاك ، وكلفك بهذه الحقوق ، فيسألك : هل قمت بها ، فيثيبك الثواب الجزيل ؟ أم ضيعتها ، فيعاقبك العقاب الوبيل ؟ ثم ذكر السبب الموجب لبر الوالدين في الأم ، فقال : { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ } أي : مشقة على مشقة ، فلا تزال تلاقي المشاق ، من حين يكون نطفة ، من الوحم ، والمرض ، والضعف ، والثقل ، وتغير الحال ، ثم وجع الولادة ، ذلك الوجع الشديد . ثم { وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ } وهو ملازم لحضانة أمه وكفالتها ورضاعها ، أفما يحسن بمن تحمل على ولده هذه الشدائد مع شدة الحب ، أن يؤكد على ولده ، ويوصي إليه بتمام الإحسان إليه ؟ { وَإِن جَاهَدَاكَ } أي : اجتهد والداك { عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا } ولا تظن أن هذا داخل في الإحسان إليهما ، لأن حق اللّه مقدم على حق كل أحد ، و " لا طاعة لمخلوق ، في معصية الخالق " . ولم يقل : " وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فعقهما " ، بل قال : { فَلاَ تُطِعْهُمَا } أي : بالشرك ، وأما برهما ، فاستمر عليه ، ولهذا قال : { وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً } أي : صحبة إحسان إليهما بالمعروف ، وأما اتباعهما وهما بحالة الكفر والمعاصي ، فلا تتبعهما . { وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ } وهم المؤمنون باللّه وملائكته وكتبه ورسله ، المستسلمون لربهم ، المنيبون إليه . واتباع سبيلهم ، أن يسلك مسلكهم في الإنابة إلى اللّه ، التي هي انجذاب دواعي القلب وإراداته إلى اللّه ، ثم يتبعها سعي البدن ، فيما يرضي اللّه ويقرب منه . { ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ } الطائع والعاصي والمنيب ، وغيره { فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } فلا يخفى على اللّه من أعمالهم خافية . { يٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ } التي هي أصغر الأشياء وأحقرها ، { فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ } أي في وسطها { أَوْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوْ فِي ٱلأَرْضِ } في أي جهة من جهاتهما { يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ } لسعة علمه ، وتمام خبرته ، وكمال قدرته ، ولهذا قال : { إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } أي : لطف في علمه وخبرته ، حتى اطلع على البواطن والأسرار ، وخفايا القفار والبحار . والمقصود من هذا ، الحث على مراقبة اللّه والعمل بطاعته مهما أمكن ، والترهيب من عمل القبيح ، قَلَّ أو كَثُرَ . { يٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ } حثه عليها ، وخصها لأنها أكبر العبادات البدنية ، { وَأْمُرْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱنْهَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } وذلك يستلزم العلم بالمعروف ليأمر به ، والعلم بالمنكر لينهى عنه . والأمر بما لا يتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلاّ به ، من الرفق ، والصبر ، وقد صرّح به في قوله : { وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ } ومن كونه فاعلاً لما يأمر به ، كافّاً لما ينهى عنه ، فتضمن هذا ، تكميل نفسه بفعل الخير وترك الشر ، وتكميل غيره بذلك ، بأمره ونهيه . ولما علم أنه لا بد أن يبتلى إذا أمر ونهى ، وأن في الأمر والنهي مشقة على النفوس ، أمره بالصبر على ذلك ، فقال : { وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ } الذي وعظ به لقمان ابنه { مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } أي : من الأمور التي يعزم عليها ويهتم بها ، ولا يوفق لها إلاّ أهل العزائم . { وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ } أي : لا تُمِلْهُ وتعبس بوجهك الناس ، تكبُّراً عليهم ، وتعاظماً . { وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً } أي : بطراً ، فخراً بالنعم ، ناسياً المنعم ، معجباً بنفسك . { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ } في نفسه وهيئته وتعاظمه { فَخُورٍ } بقوله . { وَٱقْصِدْ فِي مَشْيِكَ } أي : امش متواضعاً مستكيناً ، لا مَشْيَ البطر والتكبر ، ولا مشي التماوت . { وَٱغْضُضْ مِن صَوْتِكَ } أدباً مع الناس ومع اللّه ، { إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوَاتِ } أي أفظعها وأبشعها { لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ } فلو كان في رفع الصوت البليغ فائدة ومصلحة ، لما اختص بذلك الحمار ، الذي قد علمت خسته وبلادته . وهذه الوصايا التي وصى بها لقمان لابنه ، تجمع أمهات الحكم ، وتستلزم ما لم يذكر منها ، وكل وصية يقرن بها ما يدعو إلى فعلها إن كانت أمراً ، وإلى تركها إن كانت نهياً . وهذا يدل على ما ذكرنا في تفسير الحكمة ، أنها العلم بالأحكام ، وحِكَمِها ومناسباتها ، فأمره بأصل الدين ، وهو التوحيد ، ونهاه عن الشرك ، وبيَّن له الموجب لتركه ، وأمره ببر الوالدين ، وبيَّن له السبب الموجب لبرهما ، وأمره بشكره وشكرهما ، ثم احترز بأن محل برهما وامتثال أوامرهما ما لم يأمرا بمعصية ، ومع ذلك فلا يعقهما ، بل يحسن إليهما ، وإن كان لا يطيعهما إذا جاهداه على الشرك . وأمره بمراقبة اللّه ، وخوَّفه القدوم عليه ، وأنه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من الخير والشر ، إلا أتى بها . ونهاه عن التكبر ، وأمره بالتواضع ، ونهاه عن البطر والأشر ، والمرح ، وأمره بالسكون في الحركات والأصوات ، ونهاه عن ضد ذلك . وأمره بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإقامة الصلاة ، وبالصبر اللذين يسهل بهما كل أمر ، كما قال تعالى فحقيق بمن أوصى بهذه الوصايا ، أن يكون مخصوصاً بالحكمة ، مشهوراً بها . ولهذا من منَّة اللّه عليه وعلى سائر عباده ، أن قص عليهم من حكمته ، ما يكون لهم به أُسوة حسنة .