Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 31, Ayat: 1-5)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يشير تعالى إشارة دالة على التعظيم إلى { آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ } أي : آياته محكمة ، صدرت من حكيم خبير . من إحكامها ، أنها جاءت بأجلْ الألفاظ وأفصحها ، وأبينها ، الدالة على أجل المعاني وأحسنها . ومن إحكامها ، أنها محفوظة من التغيير والتبديل ، والزيادة والنقص ، والتحريف . ومن إحكامها : أن جميع ما فيها من الأخبار السابقة واللاحقة ، والأمور الغيبية كلها ، مطابقة للواقع ، مطابق لها الواقع ، لم يخالفها كتاب من الكتب الإلهية ، ولم يخبر بخلافها نبي من الأنبياء [ ولم يأت ولن يأتي علمٌ محسوسٌ ولا معقول صحيح يناقض ما دلت عليه ] . ومن إحكامها : أنها ما أمرت بشيء ، إلاّ وهو خالص المصلحة أو راجحها ، ولا نهت عن شيء ، إلاّ وهو خالص المفسدة أو راجحها ، وكثيراً ما يجمع بين الأمر بالشيء مع ذكر [ حكمته ] فائدته ، والنهي عن الشيء مع ذكر مضرته . ومن إحكامها : أنها جمعت بين الترغيب والترهيب ، والوعظ البليغ ، الذي تعتدل به النفوس الخيرة وتحتكم ، فتعمل بالحزم . ومن إحكامها : أنك تجد آياته المتكررة ، كالقصص ، والأحكام ، ونحوها ، قد اتفقت كلها وتواطأت ، فليس فيها تناقض ولا اختلاف . فكلما ازداد بها البصير تدبراً ، وأعمل فيها العقل تفكراً ، انبهر عقله ، وذهل لبه ، من التوافق والتواطؤ ، وجزم جزماً لا يمترى فيه ، أنه تنزيل من حكيم حميد . ولكن - مع أنه حكيم - يدعو إلى كل خلق كريم ، وينهى عن كل خلق لئيم ، أكثر الناس محرومون الاهتداء به ، معرضون عن الإيمان والعمل به ، إلا مَنْ وفقه اللّه تعالى وعصمه ، وهم المحسنون في عبادة ربهم والمحسنون إلى الخلق . فإنه { هُدًى } لهم ، يهديهم إلى الصراط المستقيم ، ويحذرهم من طرق الجحيم ، { وَرَحْمَةً } لهم ، تحصل لهم به السعادة في الدنيا والآخرة ، والخير الكثير ، والثواب الجزيل ، والفرح والسرور ، ويندفع عنهم الضلال والشقاء . ثم وصف المحسنين بالعلم التام ، وهو اليقين الموجب للعمل والخوف من عقاب اللّه ، فيتركون معاصيه ، ووصفهم بالعمل ، وخصّ من العمل عملين فاضلين : الصلاة المشتملة على الإخلاص ومناجاة اللّه تعالى ، والتعبد العام للقلب واللسان والجوارح المعينة على سائر الأعمال ، والزكاة التي تزكي صاحبها من الصفات الرذيلة ، وتنفع أخاه المسلم ، وتسد حاجته ، ويبين بها أن العبد يؤثر محبة اللّه على محبته للمال ، فيخرجه محبوبه من المال لما هو أحب إليه ، وهو طلب مرضاة اللّه . فـ { أُوْلَـٰئِكَ } هم المحسنون ، الجامعون بين العلم التام والعمل { عَلَىٰ هُدًى } أي : عظيم كما يفيده التنكير ، وذلك الهدى حاصل لهم ، وواصل إليهم { مِّن رَّبِّهِمْ } الذي لم يزل يربيهم بالنعَم ، ويدفع عنهم النقم . وهذا الهدى الذي أوصله إليهم ، من تربيته الخاصة بأوليائه ، وهو أفضل أنواع التربية . { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } الذين أدركوا رضا ربهم ، وثوابه الدنيوي والأخروي ، وسلموا من سخطه وعقابه وذلك لسلوكهم طريق الفلاح ، الذي لا طريق له غيرها . ولما ذكر تعالى المهتدين بالقرآن ، المقبلين عليه ، ذكر من أعرض عنه ، ولم يرفع به رأساً ، وأنه عوقب على ذلك ، بأن تعوض عنه كل باطل من القول ، فترك أعلى الأقوال ، وأحسن الحديث ، واستبدل به أسفل قول وأقبحه ، فلذلك قال : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن … } .