Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 31, Ayat: 25-28)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي : ولئن سألت هؤلاء المشركين المكذبين بالحق { مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } لعلموا أن أصنامهم ما خلقت شيئاً من ذلك ، ولبادروا بقولهم الله الذي خلقهما وحده . فـ { قُلِ } لهم ملزماً لهم ، ومحتجاً عليهم بما أقروا به ، على ما أنكروا : { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ } الذي بيَّن النور ، وأظهر الاستدلال عليكم من أنفسكم ، فلو كانوا يعلمون ، لجزموا أن المنفرد بالخلق والتدبير ، هو الذي يفرد بالعبادة والتوحيد . ولكن { أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } فلذلك أشركوا به غيره ، ورضوا بتناقض ما ذهبوا إليه ، على وجه الحيرة والشك ، لا على وجه البصيرة ، ثم ذكر في هاتين الآيتين نموذجاً من سعة أوصافه ، ليدعو عباده إلى معرفته ومحبته وإخلاص الدين له . فذكر عموم ملكه ، وأن جميع ما في السماوات والأرض - وهذا شامل لجميع العالم العلوي والسفلي - أنه ملكه ، يتصرف فيهم بأحكام الملك القدرية ، وأحكامه الأمرية ، وأحكامه الجزائية ، فكلهم عبيد مماليك ، مدبرون مسخرون ، ليس لهم من الملك شيء ، وأنه واسع الغنى ، فلا يحتاج إلى ما يحتاج إليه أحد من الخلق . { مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ } [ الذاريات : 57 ] . وأن أعمال النبيين والصديقين والشهداء والصالحين لا تنفع اللّه شيئاً وإنما تنفع عامليها ، واللّه غني عنهم وعن أعمالهم ، ومن غناه ، أن أغناهم وأقناهم في دنياهم وأخراهم . ثم أخبر تعالى عن سعة حمده ، وأن حمده من لوازم ذاته ، فلا يكون إلاّ حميداً من جميع الوجوه ، فهو حميد في ذاته ، وهو حميد في صفاته ، فكل صفة من صفاته ، يستحق عليها أكمل حمد وأتمه ، لكونها صفات عظمة وكمال ، وجميع ما فعله وخلقه يحمد عليه ، وجميع ما أمر به ونهى عنه يحمد عليه ، وجميع ما حكم به في العباد وبين العباد ، في الدنيا والآخرة ، يحمد عليه . ثم أخبر عن سعة كلامه وعظمة قوله ، بشرح يبلغ من القلوب كل مبلغ ، وتنبهر له العقول ، وتحير فيه الأفئدة ، وتسيح في معرفته أولو الألباب والبصائر ، فقال : { وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ } يكتب بها { وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ } مداداً يستمد بها ، لتكسرت تلك الأقلام ، ولفني ذلك المداد ، ولم تنفد { كَلِمَاتُ ٱللَّهِ } تعالى ، وهذا ليس مبالغة لا حقيقة له ، بل لما علم تبارك وتعالى أن العقول تتقاصر عن الإحاطة ببعض صفاته ، وعلم تعالى أن معرفته لعباده أفضل نعمة أنعم بها عليهم ، وأجلَّ منقبة حصلوها ، وهي لا تمكن على وجهها ، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك كله ، فنبههم تعالى تنبيهاً تستنير به قلوبهم ، وتنشرح له صدورهم ، ويستدلون بما وصلوا إليه إلى ما لم يصلوا إليه ، ويقولون كما قال أفضلهم وأعلمهم بربه : " لا نحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك " ، وإلاّ ، فالأمر أجلُّ من ذلك وأعظم . وهذا التمثيل ، من باب تقريب المعنى ، الذي لا يطاق الوصول إليه إلى الأفهام والأذهان ، وإلاّ فالأشجار ، وإن تضاعفت على ما ذكر أضعافاً كثيرة ، والبحور لو امتدت بأضعاف مضاعفة ، فإنه يتصور نفادها وانقضاؤها ، لكونها مخلوقة . وأما كلام اللّه تعالى ، فلا يتصور نفاده ، بل دلنا الدليل الشرعي والعقلي ، على أنه لا نفاد له ولا منتهى ، وكل شيء ينتهي إلا الباري وصفاته { وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلْمُنتَهَىٰ } [ النجم : 42 ] . وإذا تصور العقل حقيقة أوليته تعالى وآخريته ، وأنه كل ما فرضه الذهن من الأزمان السابقة ، مهما تسلسل الفرض والتقدير ، فهو تعالى قبل ذلك إلى غير نهاية ، وأنه مهما فرضه الذهن والعقل ، من الأزمان المتأخرة ، وتسلسل الفرض والتقدير ، وساعد على ذلك من ساعد بقلبه ولسانه ، فاللّه تعالى بعد ذلك إلى غير غاية ولا نهاية . واللّه في جميع الأوقات يحكم ، ويتكلم ، ويقول ، ويفعل كيف أراد ، وإذا أراد لا مانع له من شيء من أقواله وأفعاله ، فإذا تصور العقل ذلك ، عرف أن المثل الذي ضربه اللّه لكلامه ، ليدرك العباد شيئاً منه ، وإلا ، فالأمر أعظم وأجل . ثم ذكر جلالة عزته وكمال حكمته فقال : { إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } أي : له العزة جميعاً ، الذي ما في العالم العلوي والسفلي من القوة إلا منه ، أعطاها للخلق ، فلا حول ولا قوة إلا به ، وبعزته قهر الخلق كلهم وتصرف فيهم ودبرهم ، وبحكمته خلق الخلق ، وابتدأه بالحكمة ، وجعل غايته والمقصود منه الحكمة ، وكذلك الأمر والنهي وجد بالحكمة ، وكانت غايته المقصودة الحكمة ، فهو الحكيم في خلقه وأمره . ثم ذكر عظمة قدرته وكمالها ، وأنه لا يمكن أن يتصورها العقل ، فقال : { مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ } وهذا شيء يحير العقول ، إن خلق جميع الخلق - على كثرتهم وبعثهم بعد موتهم ، بعد تفرقهم في لمحة واحدة - كخلقه نفساً واحدة ، فلا وجه لاستبعاد البعث والنشور والجزاء على الأعمال ، إلا الجهل بعظمة اللّه وقوة قدرته . ثم ذكر عموم سمعه لجميع المسموعات ، وبصره لجميع المبصرات ، فقال : { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } .