Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 32, Ayat: 15-17)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما ذكر تعالى الكافرين بآياته ، وما أعد لهم من العذاب ، ذكر المؤمنين بها ، ووصفهم ، وما أعد لهم من الثواب ، فقال : { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا } [ أي ] إيماناً حقيقياً ، من يوجد منه شواهد الإيمان ، وهم : { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ } بآيات ربهم فتليت عليهم آيات القرآن ، وأتتهم النصائح على أيدي رسل اللّه ، ودُعُوا إلى التذكر ، سمعوها فقبلوها ، وانقادوا ، و { خَرُّواْ سُجَّداً } أي : خاضعين لها ، خضوع ذكر للّه ، وفرح بمعرفته . { وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } لا بقلوبهم ، ولا بأبدانهم ، فيمتنعون من الانقياد لها ، بل متواضعون لها ، قد تلقوها بالقبول ، والتسليم وقابلوها بالانشراح والتسليم ، وتوصلوا بها إلى مرضاة الرب الرحيم ، واهتدوا بها إلى الصراط المستقيم . { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ } أي : ترتفع جنوبهم ، وتنزعج عن مضاجعها اللذيذة ، إلى ما هو ألذ عندهم منه وأحب إليهم ، وهو الصلاة في الليل ، ومناجاة اللّه تعالى . ولهذا قال : { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ } أي : في جلب مصالحهم الدينية والدنيوية ، ودفع مضارهما . { خَوْفاً وَطَمَعاً } أي : جامعين بين الوصفين ، خوفاً أن ترد أعمالهم ، وطمعاً في قبولها ، خوفاً من عذاب اللّه ، وطمعاً في ثوابه . { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ } من الرزق ، قليلاً كان أو كثيراً { يُنفِقُونَ } ولم يذكر قيد النفقة ، ولا المنفق عليه ، ليدل على العموم ، فإنه يدخل فيه ، النفقة الواجبة ، كالزكوات ، والكفارات ، ونفقة الزوجات والأقارب ، والنفقة المستحبة في وجوه الخير ، والنفقة والإحسان المالي خير مطلقاً ، سواء وافق غنياً أو فقيراً ، قريباً أو بعيداً ، ولكن الأجر يتفاوت بتفاوت النفع ، فهذا عملهم . وأما جزاؤهم ، فقال : { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ } يدخل فيه جميع نفوس الخلق ، لكونها نكرة في سياق النفي . أي : فلا يعلم أحد { مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } من الخير الكثير ، والنعيم الغزير ، والفرح والسرور ، واللذة والحبور ، كما قال تعالى على لسان رسوله : " أعددت لعبادي الصالحين ، ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " . فكما صلوا في الليل ودعوا ، وأخفوا العمل ، جازاهم من جنس عملهم ، فأخفى أجرهم ، ولهذا قال : { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } .