Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 32, Ayat: 23-25)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما ذكر تعالى آياته التي ذكر بها عباده ، وهو القرآن ، الذي أنزله على محمد صلى اللّه عليه وسلم ، ذكر أنه ليس ببدع من الكتب ، ولا من جاء به بغريب من الرسل ، فقد آتى الله موسى الكتاب الذي هو التوراة المصدقة للقرآن ، التي قد صدقها القرآن ، فتطابق حقهما ، وثبت برهانهما ، { لْكِتَابَ فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ } لأنه قد تواردت أدلة الحق وبيناته ، فلم يبق للشك والمرية محل . { وَجَعَلْنَاهُ } أي : الكتاب الذي آتيناه موسى { هُدًى لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } يهتدون به في أصول دينهم ، وفروعه ، وشرائعه موافقة لذلك الزمان في بني إسرائيل . وأما هذا القرآن الكريم ، فجعله اللّه هداية للناس كلهم ، لأنه هداية للخلق ، في أمر دينهم ودنياهم إلى يوم القيامة ، وذلك لكماله وعلوه { وَإِنَّهُ فِيۤ أُمِّ ٱلْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } [ الزخرف : 4 ] . { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ } أي : من بني إسرائيل { أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا } أي : علماء بالشرع ، وطرق الهداية ، مهتدين في أنفسهم ، يهدون غيرهم بذلك الهدى ، فالكتاب الذي أنزل إليهم هدى ، والمؤمنون به منهم على قسمين : أئمة يهدون بأمر اللّه ، وأتباع مهتدون بهم . والقسم الأول أرفع الدرجات بعد درجة النبوة والرسالة ، وهي درجة الصديقين ، وإنما نالوا هذه الدرجة العالية بالصبر على التعلم والتعليم ، والدعوة إلى اللّه ، والأذى في سبيله ، وكفوا أنفسهم عن جماحها في المعاصي واسترسالها في الشهوات . { وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } أي : وصلوا في الإيمان بآيات اللّه إلى درجة اليقين ، وهو العلم التام الموجب للعمل ، وإنما وصلوا إلى درجة اليقين ، لأنهم تعلموا تعلماً صحيحاً ، وأخذوا المسائل عن أدلتها المفيدة لليقين . فما زالوا يتعلمون المسائل ، ويستدلون عليها بكثرة الدلائل ، حتى وصلوا لذاك ، فبالصبر واليقين تُنَالُ الإمامة في الدين . وثَمَّ مسائل اختلف فيها بنو إسرائيل ، منهم مَنْ أصاب فيها الحق ، ومنهم مَنْ أخطأه خطأ ، أو عمداً ، واللّه تعالى { يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقَيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } وهذا القرآن يقص على بني إسرائيل بعض الذي يختلفون فيه ، فكل خلاف وقع بينهم ، ووجد في القرآن تصديق لأحد القولين ، فهو الحق ، وما عداه مما خالفه باطل .