Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 28-29)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما اجتمع نساء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الغيرة ، وطلبن منه النفقة والكسوة ، طلبن منه أمراً لا يقدر عليه في كل وقت ، ولم يزلن في طلبهن متفقات ، في مرادهن متعنتات ، فشَقَّ ذلك على الرسول ، حتى وصلت به الحال إلى أنه آلى منهن شهراً . فأراد اللّه أن يسهل الأمر على رسوله ، وأن يرفع درجة زوجاته ، ويُذْهِبَ عنهن كل أمر ينقص أجرهن ، فأمر رسوله أن يخيرهن فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } أي : ليس لكن في غيرها مطلب ، وصرتن ترضين لوجودها ، وتغضبن لفقدها ، فليس لي فيكن أرب وحاجة ، وأنتن بهذه الحال . { فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ } شيئاً مما عندي من الدنيا { وَأُسَرِّحْكُنَّ } أي : أفارقكن { سَرَاحاً جَمِيلاً } من دون مغاضبة ولا مشاتمة ، بل بسعة صدر ، وانشراح بال ، قبل أن تبلغ الحال إلى ما لا ينبغي . { وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ } أي : هذه الأشياء مرادكن ، وغاية مقصودكن ، وإذا حصل لَكُنَّ اللّه ورسوله والجنة ، لم تبالين بسعة الدنيا وضيقها ، ويسرها وعسرها ، وقنعتن من رسول اللّه بما تيسر ، ولم تطلبن منه ما يشق عليه ، { فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً } رتب الأجر على وصفهن بالإحسان ، لأنه السبب الموجب لذلك ، لا لكونهن زوجات للرسول ، فإن مجرد ذلك لا يكفي ، بل لا يفيد شيئاً مع عدم الإحسان ، فخيَّرهن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في ذلك ، فاخترن اللّه ورسوله والدار الآخرة كلهن ، ولم يتخلف منهن واحدة ، رضي اللّه عنهن . وفي هذا التخيير فوائد عديدة : منها : الاعتناء برسوله وغيرته عليه ، أن يكون بحالة يشق عليه كثرة مطالب زوجاته الدنيوية . ومنها : سلامته صلى اللّه عليه وسلم بهذا التخيير من تبعة حقوق الزوجات ، وأنه يبقى في حرية نفسه ، إن شاء أعطى ، وإن شاء منع { مَّا كَانَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ ٱللَّهُ لَهُ } [ الأحزاب : 38 ] . ومنها : تنزيهه عما لو كان فيهن من تؤثر الدنيا على اللّه ورسوله والدار الآخرة عنها ، وعن مقارنتها . ومنها : سلامة زوجاته رضي اللّه عنهن عن الإثم والتعرض لسخط اللّه ورسوله . فحسم اللّه بهذا التخيير عنهن التسخط على الرسول ، الموجب لسخطه ، المسخط لربه ، الموجب لعقابه . ومنها : إظهار رفعتهن وعلو درجتهن ، وبيان علو هممهن ، أن كان اللّه ورسوله والدار الآخرة ، مرادهن ومقصودهن ، دون الدنيا وحطامها . ومنها : استعدادهن بهذا الاختيار ، للأمر الخيار ، للوصول إلى خيار درجات الجنة ، وأن يكُنَّ زوجاته في الدنيا والآخرة . ومنها : ظهور المناسبة بينه وبينهن ، فإنه أكمل الخلق ، وأراد اللّه أن تكون نساؤه كاملات مكملات ، طيبات مطيبات { ٱلطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلْطَّيِّبَاتِ } [ النور : 26 ] . ومنها : أن هذا التخيير داع ، وموجب للقناعة التي يطمئن لها القلب ، وينشرح لها الصدر ، ويزول عنهن جشع الحرص ، وعدم الرضا الموجب لقلق القلب واضطرابه ، وهمه وغمه . ومنها : أن يكون اختيارهن هذا ، سبباً لزيادة أجرهن ومضاعفته ، وأن يَكُنَّ بمرتبة ليس فيها أحد من النساء ، ولهذا قال : { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ … } .