Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 37-37)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وكان سبب نزول هذه الآيات ، أن اللّه تعالى أراد أن يشرع شرعاً عاماً للمؤمنين ، أن الأدعياء ليسوا في حكم الأبناء حقيقة ، من جميع الوجوه وأن أزواجهم لا جناح على مَنْ تبناهم ، في نكاحهن . وكان هذا من الأمور المعتادة ، التي لا تكاد تزول إلا بحادث كبير ، فأراد أن يكون هذا الشرع قولاً من رسوله وفعلاً ، وإذا أراد اللّه أمراً جعل له سبباً ، وكان زيد بن حارثة يدعى " زيد بن محمد " قد تبناه النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فصار يدعى إليه حتى نزل : { ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ } [ الأحزاب : 5 ] فقيل له : " زيد بن حارثة " . وكانت تحته زينب بنت جحش ، ابنة عمة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وكان قد وقع في قلب الرسول ، لو طلقها زيد ، لتزوَّجها ، فقدر اللّه أن يكون بينها وبين زيد ما اقتضى أن جاء زيد بن حارثة يستأذن النبي صلى اللّه عليه وسلم في فراقها . قال اللّه : { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ } أي : بالإسلام { وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ } بالعتق ، حين جاءك مشاوراً في فراقها : فقلت له ناصحاً له ومخبراً بمصلحته ، مع وقوعها في قلبك : { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ } أي : لا تفارقها ، واصبر على ما جاءك منها ، { وَٱتَّقِ ٱللَّهَ } تعالى في أمورك عامة ، وفي أمر زوجك خاصة ، فإن التقوى تحث على الصبر ، وتأمر به . { وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ } والذي أخفاه ، أنه لو طلقها زيد لتزوجها صلى اللّه عليه وسلم . { وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ } في عدم إبداء ما في نفسك { وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ } وأن لا تباليهم شيئاً ، { فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً } أي : طابت نفسه ، ورغب عنها ، وفارقها . { زَوَّجْنَاكَهَا } وإنما فعلنا ذلك لفائدة عظيمة ، وهي : { لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيۤ أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ } حيث رأوك تزوجت زوج زيد بن حارثة ، الذي كان من قبل ينتسب إليك . ولما كان قوله : { لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيۤ أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ } عاماً في جميع الأحوال وكان من الأحوال ، ما لا يجوز ذلك ، وهي قبل انقضاء وطره منها ، قيد ذلك بقوله : { إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً } أي : لا بد من فعله ، ولا عائق له ولا مانع . وفي هذه الآيات المشتملات على هذه القصة فوائد ، منها : الثناء على زيد بن حارثة ، وذلك من وجهين : أحدهما : أن اللّه سماه في القرآن ، ولم يسم من الصحابة باسمه غيره . والثاني : أن اللّه أخبر أنه أنعم عليه ، أي : بنعمة الإسلام والإيمان . وهذه شهادة من اللّه له أنه مسلم مؤمن ، ظاهراً وباطناً ، وإلا فلا وجه لتخصيصه بالنعمة ، لولا أن المراد بها النعمة الخاصة . ومنها : أن المُعْتق في نعمة الْمُعْتِق . ومنها : جواز تزوج زوجة الدَّعِي ، كما صرّح به . ومنها : أن التعليم الفعلي أبلغ من القولي ، خصوصاً ، إذا اقترن بالقول ، فإن ذلك نور على نور . ومنها : أن المحبة التي في قلب العبد ، لغير زوجته ومملوكته ومحارمه ، إذا لم يقترن بها محذور ، لا يأثم عليها العبد ، ولو اقترن بذلك أمنيته ، أن لو طلقها زوجها لتزوجها من غير أن يسعى في فُرْقة بينهما ، أو يتسبب بأي سبب كان ، لأن اللّه أخبر أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم أخفى ذلك في نفسه . ومنها : أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم قد بلغ البلاغ المبين ، فلم يدع شيئاً مما أوحي إليه إلاّ وبلغه ، حتى هذا الأمر ، الذي فيه عتابه . وهذا يدل على أنه رسول اللّه ، ولا يقول إلاّ ما أوحي إليه ، ولا يريد تعظيم نفسه . ومنها : أن المستشار مؤتمن ، يجب عليه - إذا استشير في أمر من الأمور - أن يشير بما يعلمه أصلح للمستشير ، ولو كان له حظ نفس ، فتقدم مصلحة المستشير على هوى نفسه وغرضه . ومنها : أن من الرأي الحسن لمن استشار في فراق زوجته أن يؤمر بإمساكها مهما أمكن صلاح الحال ، فهو أحسن من الفُرقة . ومنها : [ أنه يتعين ] أن يقدم العبد خشية اللّه على خشية الناس ، وأنها أحق منها وأولى . ومنها : فضيلة زينب رضي اللّه عنها أم المؤمنين ، حيث تولى اللّه تزويجها من رسوله صلى اللّه عليه وسلم ، من دون خطبة ولا شهود ، ولهذا كانت تفتخر بذلك على أزواج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وتقول زوجكن أهاليكن ، وزوجني اللّه من فوق سبع سماوات . ومنها : أن المرأة إذا كانت ذات زوج ، لا يجوز نكاحها ، ولا السعي فيه وفي أسبابه ، حتى يقضي زوجها وطره منها ، ولا يقضي وطره ، حتى تنقضي عدتها ، لأنها قبل انقضاء عدتها ، هي في عصمته ، أو في حقه الذي له وطر إليها ، ولو من بعض الوجوه .