Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 45-48)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه الأشياء التي وصف الله بها رسوله محمداً صلى اللّه عليه وسلم ، هي المقصود من رسالته وزبدتها وأصولها التي اختص بها ، وهي خمسة أشياء : أحدها : كونه { شَٰهِداً } أي : شاهداً على أمته بما عملوه من خير وشر ، كما قال تعالى : { لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } [ البقرة : 143 ] { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً } [ النساء : 41 ] فهو صلى اللّه عليه وسلم شاهد عدل مقبول . الثاني ، والثالث : كونه { وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً } وهذا يستلزم ذكر المبشر والمنذر ، وما يبشر به وينذر ، والأعمال الموجبة لذلك . فالمبشَّر هم : المؤمنون المتقون ، الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح ، وترك المعاصي ، لهم البشرى في الحياة الدنيا ، بكل ثواب دنيوي وديني ، رتب على الإيمان والتقوى ، وفي الأخرى بالنعيم المقيم . وذلك كله يستلزم ذكر تفصيل المذكور ، من تفاصيل الأعمال ، وخصال التقوى ، وأنواع الثواب . والمنْذَر هم : المجرمون الظالمون ، أهل الظلم والجهل ، لهم النذارة في الدنيا ، من العقوبات الدنيوية والدينية المترتبة على الجهل والظلم ، وفي الأخرى ، بالعقاب الوبيل ، والعذاب الطويل . وهذه الجملة تفصيلها ، ما جاء به صلى اللّه عليه وسلم من الكتاب والسُنّة ، المشتمل على ذلك . الرابع : كونه { دَاعِياً إِلَى ٱللَّهِ } أي : أرسله اللّه يدعو الخلق إلى ربهم ، ويسوقهم لكرامته ، ويأمرهم بعبادته التي خلقوا لها ، وذلك يستلزم استقامته على ما يدعو إليه ، وذكر تفاصيل ما يدعو إليه ، بتعريفهم لربهم بصفاته المقدسة ، وتنزيهه عمّا لا يليق بجلاله ، وذكر أنواع العبودية ، والدعوة إلى اللّه بأقرب طريق موصل إليه ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، وإخلاص الدعوة إلى اللّه ، لا إلى نفسه وتعظيمها ، كما قد يعرض ذلك لكثير من النفوس في هذا المقام ، وذلك كله بِإِذْنِ الله تعالى له في الدعوة وأمره وإرادته وقدره . الخامس : كونه { وَسِرَاجاً مُّنِيراً } وذلك يقتضي أن الخلق في ظلمة عظيمة ، لا نور ، يهتدى به في ظلماتها ، ولا علم يستدل به في جهالاتها ، حتى جاء اللّه بهذا النبي الكريم ، فأضاء اللّه به تلك الظلمات ، وعلم به من الجهالات ، وهدى به ضُلالاً إلى الصراط المستقيم . فأصبح أهل الاستقامة قد وضح لهم الطريق ، فمشوا خلف هذا الإمام وعرفوا به الخير والشر ، وأهل السعادة من أهل الشقاوة ، واستناروا به ، لمعرفة معبودهم ، وعرفوه بأوصافه الحميدة ، وأفعاله السديدة ، وأحكامه الرشيدة . وقوله : { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً } ذكر في هذه الجملة المبشَّر ، وهم المؤمنون ، وعند ذكر الإيمان بمفرده ، تدخل فيه الأعمال الصالحة . وذكر المبشَّر به ، وهو الفضل الكبير ، أي : العظيم الجليل ، الذي لا يقادر قدره ، من النصر في الدنيا ، وهداية القلوب ، وغفران الذنوب ، وكشف الكروب ، وكثرة الأرزاق الدَّارَّة ، وحصول النِعَم السارة ، والفوز برضا ربهم وثوابه ، والنجاة من سخطه وعقابه . وهذا مما ينشط العاملين ، أن يذكر لهم من ثواب اللّه على أعمالهم ، ما به يستعينون على سلوك الصراط المستقيم ، وهذا من جملة حكم الشرع ، كما أن من حكمه ، أن يذكر في مقام الترهيب ، العقوبات المترتبة على ما يرهب منه ، ليكون عوناً على الكف عمّا حرّم اللّه . ولما كان ثَمَّ طائفة من الناس ، مستعدة للقيام بصد الداعين إلى اللّه من الرسل وأتباعهم ، وهم المنافقون ، الذين أظهروا الموافقة في الإيمان ، وهم كفرة فجرة في الباطن ، والكفار ظاهراً وباطناً ، نهى اللّه رسوله عن طاعتهم ، وحذره ذلك ، فقال : { وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ } أي : في كل أمر يصد عن سبيل اللّه ، ولكن لا يقتضي هذا أذاهم ، [ بل لا تطعهم { وَدَعْ أَذَاهُمْ } ] فإن ذلك ، جالب لهم ، وداع إلى قبول الإسلام ، وإلى كف كثير من أذيتهم له ولأهله . { وَتَوَكَّـلْ عَلَى ٱللَّهِ } في إتمام أمرك ، وخذلان عدوك ، { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِـيلاً } تُوكَلُ إليه الأمور المهمة ، فيقوم بها ، ويسهلها على عبده .