Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 53-54)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يأمر تعالى عباده المؤمنين بالتأدب مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في دخول بيوته ، فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ } أي : لا تدخلوها بغير إذن للدخول فيها لأجل الطعام . وأيضاً لا تكونوا { نَاظِرِينَ إِنَاهُ } أي : منتظرين ومتأنين لانتظار نضجه ، أو سعة صدر بعد الفراغ منه . والمعنى : أنكم لا تدخلوا بيوت النبي إلا بشرطين : الإذن لكم بالدخول ، وأن يكون جلوسكم بمقدار الحاجة ، ولهذا قال : { وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنْتَشِرُواْ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ } أي : قبل الطعام وبعده . ثم بيَّن حكمة النهي وفائدته فقال : { إِنَّ ذَٰلِكُمْ } أي : انتظاركم الزائد على الحاجة ، { كَانَ يُؤْذِي ٱلنَّبِيَّ } أي : يتكلف منه ويشق عليه حبسكم إياه عن شؤون بيته ، واشتغاله فيه { فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ } أن يقول لكم : " اخرجوا " كما هو جاري العادة ، أن الناس - وخصوصاً أهل الكرم منهم - يستحيون أن يخرجوا الناس من مساكنهم ، { وَ } لكن { ٱللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ ٱلْحَقِّ } . فالأمر الشرعي ، ولو كان يتوهم أن في تركه أدباً وحياءً ، فإن الحزم كل الحزم ، اتباع الأمر الشرعي ، وأن يجزم أن ما خالفه ليس من الأدب في شيء . واللّه تعالى لا يستحي أن يأمركم بما فيه الخير لكم ، والرفق لرسوله كائناً ما كان . فهذا أدبهم في الدخول في بيوته ، وأما أدبهم معه في خطاب زوجاته ، فإنه إما أن يحتاج إلى ذلك ، أو لا يحتاج إليه ، فإن لم يحتج إليه فلا حاجة إليه ، والأدب تركه ، وإن احتيج إليه ، كأن يُسألن متاعاً ، أو غيره من أواني البيت أو نحوها ، فإنهن يُسألن { مِن وَرَآءِ حِجَابٍ } أي : يكون بينكم وبينهن ستر يستر عن النظر ، لعدم الحاجة إليه . فصار النظر إليهن ممنوعاً بكل حال ، وكلامهن فيه التفصيل الذي ذكره اللّه ، ثم ذكر حكمة ذلك بقوله : { ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } لأنه أبعد عن الريبة ، وكلما بعد الإنسان عن الأسباب الداعية إلى الشر ، فإنه أسلم له ، وأطهر لقلبه . فلهذا ، من الأمور الشرعية التي بيَّن اللّه كثيراً من تفاصيلها ، أن جميع وسائل الشر وأسبابه ومقدماته ، ممنوعة ، وأنه مشروع البعد عنها بكل طريق . ثم قال كلمة جامعة وقاعدة عامة : { وَمَا كَانَ لَكُمْ } يا معشر المؤمنين ، أي : غير لائق ولا مستحسن منكم ، بل هو أقبح شيء { أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ } أي : أذية قولية أو فعلية ، بجميع ما يتعلق به ، { وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً } هذا من جملة ما يؤذيه ، فإنه صلى اللّه عليه وسلم له مقام التعظيم والرفعة والإكرام ، وتزوج زوجاته [ بعده ] مخل بهذا المقام . وأيضاً ، فإنهن زوجاته في الدنيا والآخرة ، والزوجية باقية بعد موته ، فلذلك لا يحل نكاح زوجاته بعده لأحد من أمته . { إِنَّ ذٰلِكُمْ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيماً } وقد امتثلت هذه الأمة هذا الأمر ، واجتنبت ما نهى اللّه عنه منه ، وللّه الحمد والشكر . ثم قال تعالى : { إِن تُبْدُواْ شَيْئاً } أي : تظهروه { أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } يعلم ما في قلوبكم وما أظهرتموه ، فيجازيكم عليه .