Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 7-9)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } على وجه التكذيب والاستهزاء والاستبعاد ، وذكر وجه الاستبعاد . أي : قال بعضهم لبعض : { هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } يعنون بذلك الرجل ، رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وأنه رجل أتى بما يستغرب منه ، حتى صار - بزعمهم - فرجة يتفرجون عليه ، وأعجوبة يسخرون منه ، وأنه كيف يقول " إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ " بعدما مزقكم البلى ، وتفرقت أوصالكم ، واضمحلت أعضاؤكم ؟ ! . فهذا الرجل الذي يأتي بذلك ، هل { أَفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } فتجرأ عليه وقال ما قال ، { أَم بِهِ جِنَّةٌ } ؟ فلا يستغرب منه ، فإن الجنون فنون ، وكل هذا منهم ، على وجه العناد والظلم ، ولقد علموا أنه أصدق خلق اللّه وأعقلهم ، ومن علمهم ، أنهم أبدوا وأعادوا في معاداتهم ، وبذلوا أنفسهم وأموالهم ، في صد الناس عنه ، فلو كان كاذباً مجنوناً لم ينبغ لكم - يا أهل العقول غير الزاكية - أن تصغوا لما قال ، ولا أن تحتفلوا بدعوته ، فإن المجنون ، لا ينبغي للعاقل أن يلفت إليه نظره ، أو يبلغ قوله منه كل مبلغ . ولولا عنادكم وظلمكم ، لبادرتم لإجابته ، ولبيتم دعوته ، ولكن " مَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ " ولهذا قال تعالى : { بَلِ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ } ومنهم الذين قالوا تلك المقالة ، { فِي ٱلْعَذَابِ وَٱلضَّلاَلِ ٱلْبَعِيدِ } أي : في الشقاء العظيم ، والضلال البعيد ، الذي ليس بقريب من الصواب ، وأي شقاء وضلال ، أبلغ من إنكارهم لقدرة اللّه على البعث ، وتكذيبهم لرسوله الذي جاء به ، واستهزائهم به ، وجزمهم بأن ما جاؤوا به هو الحق ، فرأوا الحق باطلاً ، والباطل والضلال حقاً وهدى . ثم نبههم على الدليل العقلي ، الدال على عدم استبعاد البعث ، الذي استبعدوه ، وأنهم لو نظروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض فرأوا من قدرة اللّه فيهما ما يبهر العقول ، ومن عظمته ما يذهل العلماء الفحول ، وأن خلقهما وعظمتهما وما فيهما من المخلوقات أعظم من إعادة الناس - بعد موتهم - من قبورهم ، فما الحامل لهم على ذلك التكذيب ، مع التصديق بما هو أكبر منه ؟ نعم ذاك خبر غيبي إلى الآن ، ما شاهدوه ، فلذلك كذبوا به . قال اللّه : { إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } أي : من العذاب ، لأن الأرض والسماء تحت تدبيرنا ، فإن أمرناهما لم يستعصيا ، فاحذروا إصراركم على تكذيبكم ، فنعاقبكم أشد العقوبة . { إِنَّ فِي ذَلِكَ } أي : خلق السماوات والأرض وما فيهما من المخلوقات { لآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } . فكلما كان العبد أعظم إنابة إلى اللّه ، كان انتفاعه بالآيات أعظم ، لأن المنيب مقبل إلى ربه ، قد توجهت إراداته وهماته لربه ، ورجع إليه في كل أمر من أموره ، فصار قريباً من ربه ، ليس له هم إلا الاشتغال بمرضاته ، فيكون نظره للمخلوقات نظر فكرةٍ وعبرة ، لا نظر غفلة غير نافعة .