Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 35, Ayat: 12-14)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا إخبار عن قدرته وحكمته ورحمته ، أنه جعل البحرين لمصالح العالم الأرضي كلهم ، وأنه لم يسوِّ بينهما ، لأن المصلحة تقتضي أن تكون الأنهار عذبة فراتاً ، سائغاً شرابها ، لينتفع بها الشاربون والغارسون والزارعون ، وأن يكون البحر ملحاً أجاجاً ، لئلا يفسد الهواء المحيط بالأرض بروائح ما يموت في البحر من الحيوانات ، ولأنه ساكن لا يجري ، فملوحته تمنعه من التغير ، ولتكون حيواناته أحسن وألذ ، ولهذا قال : { وَمِن كُلٍّ } من البحر الملح والعذب { تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً } وهو السمك المتيسر صيده في البحر ، { وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } من لؤلؤ ومرجان وغيرهما ، مما يوجد في البحر ، فهذه مصالح عظيمة للعباد . ومن المصالح أيضاً والمنافع في البحر ، أن سخره اللّه تعالى يحمل الفلك من السفن والمراكب ، فتراها تمخر البحر وتشقه ، فتسلك من إقليم إلى إقليم آخر ، ومن محل إلى محل ، فتحمل السائرين وأثقالهم وتجاراتهم ، فيحصل بذلك من فضل اللّه وإحسانه شيء كثير ، ولهذا قال : { لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } . ومن ذلك أيضاً ، إيلاجه تعالى الليل بالنهار والنهار بالليل ، يدخل هذا على هذا ، وهذا على هذا ، كلما أتى أحدهما ذهب الآخر ، ويزيد أحدهما وينقص الآخر ، ويتساويان ، فيقوم بذلك ما يقوم من مصالح العباد في أبدانهم وحيواناتهم وأشجارهم وزروعهم . وكذلك ما جعل اللّه في تسخير الشمس والقمر ، الضياء والنور ، والحركة والسكون ، وانتشار العباد في طلب فضله ، وما فيهما من تنضيج الثمار وتجفيف ما يجفف ، وغير ذلك مما هو من الضروريات ، التي لو فقدت لَلَحِقَ الناس الضرر . وقوله : { كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى } أي : كل من الشمس والقمر ، يسيران في فلكهما ما شاء اللّه أن يسيرا ، فإذا جاء الأجل ، وقرب انقضاء الدنيا ، انقطع سيرهما ، وتعطل سلطانهما ، وخسف القمر ، وكورت الشمس ، وانتثرت النجوم . فلما بيّن تعالى ما بيَّن من هذه المخلوقات العظيمة ، وما فيها من العبر الدالة على كماله وإحسانه ، قال : { ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ } أي : الذي انفرد بخلق هذه المذكورات وتسخيرها ، هو الرب المألوه المعبود ، الذي له الملك كله . { وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ } من الأوثان والأصنام { مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ } أي : لا يملكون شيئاً ، لا قليلاً ولا كثيراً ، حتى ولا القطمير الذي هو أحقر الأشياء ، وهذا من تنصيص النفي وعمومه ، فكيف يُدْعَوْنَ ، وهم غير مالكين لشيء من ملك السماوات والأرض ؟ ومع هذا { إِن تَدْعُوهُمْ } لا يسمعوكم لأنهم ما بين جماد وأموات ، وملائكة مشغولين بطاعة ربهم . { وَلَوْ سَمِعُواْ } على وجه الفرض والتقدير { مَا ٱسْتَجَابُواْ لَكُمْ } لأنهم لا يملكون شيئاً ، ولا يرضى أكثرهم بعبادة من عبده ، ولهذا قال : { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِـكُمْ } أي : يتبرؤون منكم ، ويقولون : { سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ } [ سبأ : 41 ] . { وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } أي : لا أحد ينبئك ، أصدق من الله العليم الخبير ، فاجزم بأن هذا الأمر ، الذي نبأ به كأنه رَأْيُ عين ، فلا تشك فيه ولا تمتر . فتضمنت هذه الآيات ، الأدلة والبراهين الساطعة ، الدالة على أنه تعالى المألوه المعبود ، الذي لا يستحق شيئاً من العبادة سواه ، وأن عبادة ما سواه باطلة متعلقة بباطل ، لا تفيد عابده شيئاً .