Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 15-18)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخاطب تعالى جميع الناس ، ويخبرهم بحالهم ووصفهم ، وأنهم فقراء إلى اللّه من جميع الوجوه : فقراء في إيجادهم ، فلولا إيجاده إياهم ، لم يوجدوا . فقراء في إعدادهم بالقوى والأعضاء والجوارح ، التي لولا إعداده إياهم [ بها ] ، لما استعدوا لأي عمل كان . فقراء في إمدادهم بالأقوات والأرزاق والنعم الظاهرة والباطنة ، فلولا فضله وإحسانه وتيسيره الأمور ، لما حصل [ لهم ] من الرزق والنِّعم شيء . فقراء في صرف النقم عنهم ، ودفع المكاره ، وإزالة الكروب والشدائد . فلولا دفعه عنهم ، وتفريجه لكرباتهم ، وإزالته لعسرهم ، لاستمرت عليهم المكاره والشدائد . فقراء إليه في تربيتهم بأنواع التربية وأجناس التدبير . فقراء إليه ، في تألههم له ، وحبهم له ، وتعبدهم ، وإخلاص العبادة له تعالى ، فلو لم يوفقهم لذلك لهلكوا ، وفسدت أرواحهم وقلوبهم وأحوالهم . فقراء إليه ، في تعليمهم ما لا يعلمون ، وعملهم بما يصلحهم ، فلولا تعليمه لم يتعلموا ، ولولا توفيقه لم يصلحوا . فهم فقراء بالذات إليه ، بكل معنى ، وبكل اعتبار ، سواء شعروا ببعض أنواع الفقر أم لم يشعروا ، ولكن الموفق منهم ، الذي لا يزال يشاهد فقره في كل حال من أمور دينه ودنياه ، ويتضرع له ، ويسأله أن لا يكله إلى نفسه طرفة عين ، وأن يعينه على جميع أموره ، ويستصحب هذا المعنى في كل وقت ، فهذا أحرى بالإعانة التامة من ربه وإلهه ، الذي هو أرحم به من الوالدة بولدها . { وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } أي : الذي له الغنى التام من جميع الوجوه ، فلا يحتاج إلى ما يحتاج إليه خلقه ، ولا يفتقر إلى شيء مما يفتقر إليه الخلق ، وذلك لكمال صفاته ، وكونها كلها صفات كمال ، ونعوت وجلال . ومن غِناه تعالى ، أن أغنى الخلق في الدنيا والآخرة ، الحميد في ذاته ، وأسمائه لأنها حسنى ، وأوصافه لكونها عُليا ، وأفعاله لأنها فضل وإحسان وعدل وحكمة ورحمة ، وفي أوامره ونواهيه ، فهو الحميد على ما فيه ، وعلى ما منه ، وهو الحميد في غناه [ الغني في حمده ] . { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُـمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } يحتمل أن المراد : إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بغيركم من الناس ، أطوع للّه منكم ، ويكون في هذا تهديد لهم بالهلاك والإبادة ، وأن مشيئته غير قاصرة عن ذلك . ويحتمل أن المراد بذلك ، إثبات البعث والنشور ، وأن مشيئة اللّه تعالى نافذة في كل شيء ، وفي إعادتكم بعد موتكم خلقاً جديداً ، ولكن لذلك الوقت أجل قدَّره اللّه ، لا يتقدم عنه ولا يتأخر . { وَمَا ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ } أي : بممتنع ، ولا معجز له . ويدلّ على المعنى الأخير ، ما ذكره بعده في قوله : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } أي : في يوم القيامة كل أحد يجازى بعمله ، ولا يحمل أحد ذنب أحد . { وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ } أي : نفس مثقلة بالخطايا والذنوب ، تستغيث بمن يحمل عنها بعض أوزارها { لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ } فإنه لا يحمل عن قريب ، فليست حال الآخرة بمنزلة حال الدنيا ، يساعد الحميم حميمه ، والصديق صديقه ، بل يوم القيامة ، يتمنى العبد أن يكون له حق على أحد ، ولو على والديه وأقاربه . { إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ } أي : هؤلاء الذين يقبلون النذارة وينتفعون بها ، أهل الخشية للّه بالغيب ، أي : الذين يخشونه في حال السر والعلانية ، والمشهد والمغيب ، وأهل إقامة الصلاة ، بحدودها وشروطها وأركانها وواجباتها وخشوعها ، لأن الخشية للّه تستدعي من العبد العمل بما يخشى من تضييعه العقاب ، والهرب مما يخشى من ارتكابه العذاب ، والصلاة تدعو إلى الخير ، وتنهى عن الفحشاء والمنكر . { وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ } أي : ومَنْ زكى نفسه بالتنقِّي من العيوب ، كالرياء والكبر ، والكذب والغش ، والمكر والخداع والنفاق ، ونحو ذلك من الأخلاق الرذيلة ، وتحلَّى بالأخلاق الجميلة ، من الصدق ، والإخلاص ، والتواضع ، ولين الجانب ، والنصح للعباد ، وسلامة الصدر من الحقد والحسد وغيرهما من مساوئ الأخلاق ، فإن تزكيته يعود نفعها إليه ، ويصل مقصودها إليه ، ليس يضيع من عمله شيء . { وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } فيجازي الخلائق على ما أسلفوه ، ويحاسبهم على ما قدموه وعملوه ، ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها .