Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 13-30)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ ٱلقَرْيَةِ إِذْ جَآءَهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } إلى آخر القصة . أي : واضرب لهؤلاء المكذبين برسالتك ، الرادين لدعوتك ، مثلاً يعتبرون به ، ويكون لهم موعظة إن وفقوا للخير ، وذلك المثل : أصحاب القرية ، وما جرى منهم من التكذيب لرسل اللّه ، وما جرى عليهم من عقوبته ونكاله . وتعيين تلك القرية ، لو كان فيه فائدة ، لعينها اللّه ، فالتعرض لذلك وما أشبهه من باب التكلف والتكلم بلا علم ، ولهذا إذا تكلم أحد في مثل هذا تجد عنده من الخبط والخلط والاختلاف الذي لا يستقر له قرار ، ما تعرف به أن طريق العلم الصحيح ، الوقوف مع الحقائق ، وترك التعرض لما لا فائدة فيه ، وبذلك تزكو النفس ، ويزيد العلم ، من حيث يظن الجاهل أن زيادته بذكر الأقوال التي لا دليل عليها ، ولا حجة عليها ولا يحصل منها من الفائدة إلا تشويش الذهن واعتياد الأمور المشكوك فيها . والشاهد أن هذه القرية جعلها اللّه مثلاً للمخاطبين . { إِذْ جَآءَهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } من اللّه تعالى يأمرونهم بعبادة اللّه وحده ، وإخلاص الدين له ، وينهونهم عن الشرك والمعاصي . { إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ } أي : قويناهما بثالث ، فصاروا ثلاثة رسل ، اعتناء من اللّه بهم ، وإقامة للحجة بتوالي الرسل إليهم ، { فَقَالُوۤاْ } لهم : { إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ } فأجابوهم بالجواب الذي ما زال مشهوراً عند مَنْ رد دعوة الرسل : فـ { قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } أي : فما الذي فضلكم علينا وخصكم من دوننا ؟ قالت الرسل لأممهم : { إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } [ إبراهيم : 11 ] . { وَمَآ أَنَزلَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ } أي : أنكروا عموم الرسالة ، ثم أنكروا أيضاً المخاطبين لهم ، فقالوا : { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ } . فقالت هؤلاء الرسل الثلاثة : { رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ } فلو كنا كاذبين ، لأظهر اللّه خزينا ، ولبادرنا بالعقوبة . { وَمَا عَلَيْنَآ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } أي : البلاغ المبين الذي يحصل به توضيح الأمور المطلوب بيانها ، وما عدا هذا من آيات الاقتراح ، ومن سرعة العذاب ، فليس إلينا ، وإنما وظيفتنا - التي هي البلاغ المبين - قمنا بها ، وبيناها لكم ، فإن اهتديتم ، فهو حظكم وتوفيقكم ، وإن ضللتم ، فليس لنا من الأمر شيء . فقال أصحاب القرية لرسلهم : { إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ } أي : لم نر على قدومكم علينا واتصالكم بنا إلاّ الشر ، وهذا من أعجب العجائب ، أن يجعل من قدم عليهم بأجل نعمة يُنعم اللّه بها على العباد ، وأجلِّ كرامة يكرمهم بها ، وضرورتهم إليها فوق كل ضرورة ، قد قدم بحالة شر ، زادت على الشر الذي هم عليه ، واستشأموا بها ، ولكن الخذلان وعدم التوفيق ، يصنع بصاحبه أعظم مما يصنع به عدوه . ثم توعدوهم فقالوا : { لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ } أي : نقتلنكم رجماً بالحجارة أشنع القتلات { وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } . فقالت لهم رسلهم : { طَائِرُكُم مَّعَكُمْ } وهو ما معهم من الشرك والشر ، المقتضي لوقوع المكروه والنقمة ، وارتفاع المحبوب والنعمة . { أَئِن ذُكِّرْتُم } أي : بسبب أنا ذكرناكم ما فيه صلاحكم وحظكم ، قلتم لنا ما قلتم . { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } متجاوزون للحد ، متجرهمون في قولكم ، فلم يزدهم [ دعاؤهم ] إلا نفوراً واستكباراً . { وَجَآءَ مِنْ أَقْصَا ٱلْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ } حرصاً على نصح قومه حين سمع ما دعت إليه الرسل وآمن به ، وعلم ما رد به قومه عليهم ، فقال [ لهم ] : { يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ } فأمرهم باتباعهم ونصحهم على ذلك ، وشهد لهم بالرسالة ، ثم ذكر تأييداً لما شهد به ودعا إليه ، فقال : { ٱتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً } أي : اتبعوا مَنْ نصحكم نصحاً يعود إليكم بالخير ، وليس [ يريد منكم أموالكم ولا أجراً على نصحه لكم وإرشاده إياكم ، فهذا موجب لاتباع من هذا وصفه . بقي ] أن يقال : فلعله يدعو ولا يأخذ أجرة ، ولكنه ليس على الحق ، فدفع هذا الاحتراز بقوله : { وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } لأنهم لا يدعون إلا لما يشهد العقل الصحيح بحسنه ، ولا ينهون إلا بما يشهد العقل الصحيح بقبحه . فكأن قومه لم يقبلوا نصحه ، بل عادوا لائمين له على اتباع الرسل ، وإخلاص الدين للّه وحده ، فقال : { وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } أي : وما المانع لي من عبادة مَنْ هو المستحق للعبادة ، لأنه الذي فطرني ، وخلقني ورزقني ، وإليه مآل جميع الخلق ، فيجازيهم بأعمالهم ، فالذي بيده الخلق والرزق ، والحكم بين العباد ، في الدنيا والآخرة ، هو الذي يستحق أن يعبد ، ويثنى عليه ويمجد ، دون من لا يملك نفعاً ولا ضراً ، ولا عطاءً ولا منعاً ، ولا حياةً ولا موتاً ولا نشوراً ، ولهذا قال : { أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ ٱلرَّحْمَـٰنُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ } لأنه لا أحد يشفع عند الله إلا بإذنه ، فلا تغني شفاعتهم عني شيئاً ، وَلا هُمْ يُنْقذون من الضر الذي أراده اللّه بي . { إِنِّيۤ إِذاً } أي : إن عبدت آلهة هذا وصفها { لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } فجمع في هذا الكلام ، بين نصحهم ، والشهادة للرسل بالرسالة ، والاهتداء والإخبار بِتعيُّن عبادة اللّه وحده ، وذكر الأدلة عليها ، وأن عبادة غيره باطلة ، وذكر البراهين عليها ، والإخبار بضلال من عبدها ، والإعلان بإيمانه جهراً ، مع خوفه الشديد من قتلهم ، فقال : { إِنِّيۤ آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَٱسْمَعُونِ } فقتله قومه ، لما سمعوا منه وراجعهم بما راجعهم به . فـ { قِيلَ } له في الحال : { ٱدْخُلِ ٱلْجَنَّةَ } فقال مخبراً بما وصل إليه من الكرامة على توحيده وإخلاصه ، وناصحاً لقومه بعد وفاته ، كما نصح لهم في حياته : { يٰلَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي } أي : بأي : شيء غفر لي ، فأزال عني أنواع العقوبات ، { وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُكْرَمِينَ } بأنواع المثوبات والمسّرات ، أي : لو وصل علم ذلك إلى قلوبهم ، لم يقيموا على شركهم . قال اللّه في عقوبة قومه : [ { وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ ] مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } أي : ما احتجنا أن نتكلف في عقوبتهم ، فننزل جنداً من السماء لإتلافهم ، { وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ } لعدم الحاجة إلى ذلك ، وعظمة اقتدار اللّه تعالى ، وشدة ضعف بني آدم ، وأنهم أدنى شيء يصيبهم من عذاب اللّه يكفيهم . { إِن كَانَتْ } أي : كانت عقوبتهم { إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً } أي : صوتاً واحداً ، تكلم به بعض ملائكة اللّه ، { فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ } قد تقطعت قلوبهم في أجوافهم ، وانزعجوا لتلك الصيحة ، فأصبحوا خامدين ، لا صوت ولا حركة ، ولا حياة بعد ذلك العتو والاستكبار ، ومقابلة أشرف الخلق بذلك الكلام القبيح ، وتجبرهم عليهم . قال اللّه متوجعاً للعباد : { يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } أي : ما أعظم شقاءهم ، وأطول عناءهم ، وأشد جهلهم ، حيث كانوا بهذه الصفة القبيحة ، التي هي سبب لكل شقاء وعذاب ونكال ! !