Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 41-50)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي : ودليل لهم وبرهان ، على أن اللّه وحده المعبود ، لأنه المنعم بالنعم ، الصارف للنقم ، الذي من جملة نِعَمِهِ { أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ } قال كثيرٌ من المفسرين : المراد بذلك : آباؤهم . { وَخَلَقْنَا لَهُمْ } أي : للموجودين من بعدهم { مِّن مِّثْلِهِ } أي : من مثل ذلك الفلك ، أي : جنسه { مَا يَرْكَبُونَ } به ، فذكر نعمته على الآباء بحملهم في السفن ، لأن النعمة عليهم ، نعمة على الذرية . وهذا الموضع من أشكل المواضع عليَّ في التفسير ، فإن ما ذكره كثيرٌ من المفسرين ، من أن المراد بالذرية الآباء ، مما لا يعهد في القرآن إطلاق الذرية على الآباء ، بل فيها من الإيهام ، وإخراج الكلام عن موضوعه ، ما يأباه كلام رب العالمين ، وإرادته البيان والتوضيح لعباده . وثَمَّ احتمال أحسن من هذا ، وهو أن المراد بالذرية الجنس ، وأنهم هم بأنفسهم ، لأنهم هم من ذرية [ بني ] آدم ، ولكن ينقض هذا المعنى قوله : { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } إن أريد : وخلقنا من مثل ذلك الفلك ، أي : لهؤلاء المخاطبين ، ما يركبون من أنواع الفلك ، فيكون ذلك تكريراً للمعنى ، تأباه فصاحة القرآن . فإن أريد بقوله : { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } الإبل ، التي هي سفن البر ، استقام المعنى واتضح ، إلاّ أنه يبقى أيضاً ، أن يكون الكلام فيه تشويش ، فإنه لو أريد هذا المعنى ، لقال : وآيةٌ لهم أنا حملناهم في الفلك المشحون ، وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ، فأما أن يقول في الأول : وحملنا ذريتهم ، وفي الثاني : حملناهم ، فإنه لا يظهر المعنى ، إلا أن يقال : الضمير عائد إلى الذرية ، واللّه أعلم بحقيقة الحال . فلما وصلت في الكتابة إلى هذا الموضع ، ظهر لي معنى ليس ببعيد من مراد اللّه تعالى ، وذلك أن مَنْ عرف جلالة كتاب اللّه وبيانه التام من كل وجه ، للأمور الحاضرة والماضية والمستقبلة ، وأنه يذكر من كل معنى أعلاه وأكمل ما يكون من أحواله ، وكانت الفلك من آياته تعالى ونِعَمِهِ على عباده ، من حين أنعم عليهم بتعلمها إلى يوم القيامة ، ولم تزل موجودة في كل زمان ، إلى زمان المواجهين بالقرآن . فلما خاطبهم اللّه تعالى بالقرآن ، وذكر حالة الفلك ، وعلم تعالى أنه سيكون أعظم آيات الفلك في غير وقتهم ، وفي غير زمانهم ، حين يعلمهم [ صنعة ] الفلك [ البحرية ] الشراعية منها والنارية ، والجوية السابحة في الجو ، كالطيور ونحوها ، [ والمراكب البرية ] مما كانت الآية العظمى فيه لم توجد إلاّ في الذرية ، نبَّه في الكتاب على أعلى نوع من أنواع آياتها فقال : { وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } أي : المملوء ركباناً وأمتعة . فحملهم اللّه تعالى ، ونجاهم بالأسباب التي علمهم اللّه بها ، من الغرق ، و [ لهذا ] نبههم على نعمته عليهم حيث أنجاهم مع قدرته على ذلك ، فقال : { وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ } أي : لا أحد يصرخ لهم فيعاونهم على الشدة ، ولا يزيل عنهم المشقة ، { وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ } مما هم فيه { إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ } حيث لم نغرقهم ، لطفاً بهم ، وتمتيعاً لهم إلى حين ، لعلهم يرجعون ، أو يستدركون ما فرط منهم . { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ } أي : من أحوال البرزخ والقيامة ، وما في الدنيا من العقوبات { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } أعرضوا عن ذلك ، فلم يرفعوا به رأساً ، ولو جاءتهم كل آية ، ولهذا قال : { وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } . وفي إضافة الآيات إلى ربهم ، دليل على كمالها ووضوحها ، لأنه ما أبين من آيةٍ من آيات اللّه ، ولا أعظم بياناً . وإن من جملة تربية اللّه لعباده ، أن أوصل إليهم الآيات التي يستدلون بها على ما ينفعهم ، في دينهم ودنياهم . { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱلله } أي : من الرزق الذي منَّ به اللّه عليكم ، ولو شاء لسلبكم إياه ، { قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } معارضين للحق ، محتجين بالمشيئة : { أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ } أيها المؤمنون { إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } حيث تأمروننا بذلك . وهذا مما يدل على جهلهم العظيم ، أو تجاهلهم الوخيم ، فإن المشيئة ليست حجة لعاصٍ أبداً ، فإنه وإن كان ما شاء اللّه كان ، وما لم يشأ لم يكن ، فإنه تعالى مكَّن العباد ، وأعطاهم من القوة ما يقدرون على فعل الأمر واجتناب النهي ، فإذا تركوا ما أمروا به ، كان ذلك اختياراً منهم ، لا جبراً لهم ولا قهراً . { وَيَقُولُونَ } على وجه التكذيب والاستعجال : { مَتَىٰ هَذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } قال اللّه تعالى : لا يستبعدوا ذلك ، فإنه [ عن ] قريب { مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً } وهي نفخة الصور { تَأْخُذُهُمْ } أي : تصيبهم { وَهُمْ يَخِصِّمُونَ } أي : وهم لا هون عنها ، لم تخطر على قلوبهم في حال خصومتهم ، وتشاجرهم بينهم ، الذي لا يوجد في الغالب إلا وقت الغفلة ، وإذا أخذتهم وقت غفلتهم ، فإنهم لا ينظرون ولا يمهلون { فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً } أي : لا قليلة ولا كثيرة { وَلاَ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ } .