Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 1-11)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا قسم منه تعالى بالملائكة الكرام ، في حال عبادتها وتدبيرها ما تدبره بإذن ربها ، على ألوهيته تعالى وربوبيته ، فقال : { وَٱلصَّافَّاتِ صَفَّا } أي : صفوفاً في خدمة ربهم ، وهم الملائكة . { فَٱلزَّاجِرَاتِ زَجْراً } وهم الملائكة ، يزجرون السحاب وغيره بأمر اللّه ، { فَٱلتَّٰلِيَٰتِ ذِكْراً } وهم الملائكة الذين يتلون كلام اللّه تعالى . فلما كانوا متألهين لربهم ، ومتعبدين في خدمته ، ولا يعصونه طرفة عين ، أقسم بهم على ألوهيته فقال : { إِنَّ إِلَـٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ } ليس له شريك في الإلهية ، فأخلصوا له الحب والخوف والرجاء ، وسائر أنواع العبادة . { رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ ٱلْمَشَارِقِ } أي : هو الخالق لهذه المخلوقات ، والرازق لها ، المدبر لها ، فكما أنه لا شريك له في ربوبيته إياها ، فكذلك لا شريك له في ألوهيته ، وكثيراً ما يقرر تعالى توحيد الإلهية بتوحيد الربوبية ، لأنه دالٌّ عليه . وقد أقرّ به أيضاً المشركون في العبادة ، فيلزمهم بما أقروا به على ما أنكروه . وخص اللّه المشارق بالذكر ، لدلالتها على المغارب ، أو لأنها مشارق النجوم التي سيذكرها ، فلهذا قال : { إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِزِينَةٍ ٱلْكَوَاكِبِ * وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ * لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ } ذكر اللّه في الكواكب هاتين الفائدتين العظيمتين : إحداهما : كونها زينة للسماء ، إذ لولاها ، لكانت السماء جرماً مظلماً لا ضوء فيها ، ولكن زينها فيها لتستنير أرجاؤها ، وتحسن صورتها ، ويهتدى بها في ظلمات البر والبحر ، ويحصل فيها من المصالح ما يحصل . والثانية : حراسة السماء عن كل شيطان مارد ، يصل بتمرده إلى استماع الملأ الأعلى ، وهم الملائكة ، فإذا استمعت قذفتها بالشهب الثواقب { مِن كُلِّ جَانِبٍ } طرداً لهم ، وإبعاداً عن استماع ما يقول الملأ الأعلى . { وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ } أي : دائم ، معد لهم ، لتمردهم عن طاعة ربهم . ولولا أنه [ تعالى ] استثنى ، لكان ذلك دليلاً على أنهم لا يستمعون شيئاً أصلاً ، ولكن قال : { إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ } أي : إلاّ من تلقف من الشياطين المردة ، الكلمة الواحدة على وجه الخفية والسرقة { فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } تارة يدركه قبل أن يوصلها إلى أوليائه ، فينقطع خبر السماء ، وتارة يخبر بها قبل أن يدركه الشهاب ، فيكذبون معها مئة كذبة يروجونها بسبب الكلمة التي سمعت من السماء . ولما بيَّن هذه المخلوقات العظيمة قال : { فَٱسْتَفْتِهِمْ } أي : اسأل منكري خلقهم بعد موتهم . { أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً } أي : إيجادهم بعد موتهم ، أشد خلقاً وأشق ؟ { أَم مَّنْ خَلَقْنَآ } من [ هذه ] المخلوقات ؟ فلا بد أن يقروا أن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس . فيلزمهم إذاً الإقرار بالبعث ، بل لو رجعوا إلى أنفسهم وفكروا فيها ، لعلموا أن ابتداء خلقهم من طين لازب ، أصعب عند الفكر من إنشائهم بعد موتهم ، ولهذا قال : { إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ } أي : قوي شديد كقوله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } [ الحجر : 26 ] .