Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 50-61)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما ذكر تعالى نعيمهم وتمام سرورهم ، بالمآكل والمشارب ، والأزواج الحسان ، والمجالس الحسنة ، ذكر تذاكرهم فيما بينهم ، ومطارحتهم للأحاديث عن الأمور الماضية ، وأنهم ما زالوا في المحادثة والتساؤل ، حتى أفضى ذلك بهم ، إلى أن قال قائل منهم : { إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ } في الدنيا ، ينكر البعث ، ويلومني على تصديقي به ، و { يَقُولُ } لي { أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَدِينُونَ } أي : مجازون بأعمالنا ؟ أي : كيف تصدق بهذا الأمر البعيد ، الذي في غاية الاستغراب ، وهو أننا إذا تمزقنا فصرنا تراباً وعظاماً ، أننا نُبعث ونعاد ، ثم نحاسب ونجازى بأعمالنا ؟ ! ! أي : يقول صاحب الجنة لإخوانه : هذه قصتي ، وهذا خبري ، أنا وقريني ، ما زلت أنا مؤمناً مصدقاً ، وهو ما زال مكذباً منكراً للبعث ، حتى متنا ، ثم بعثنا ، فوصلتُ أنا إلى ما ترون من النعيم الذي أخبرتنا به الرسل ، وهو لا شك أنه قد وصل إلى العذاب . فـ { هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ } لننظر إليه ، فنزداد غبطة وسروراً بما نحن فيه ، ويكون ذلك رَأْيَ عين ؟ والظاهر من حال أهل الجنة ، وسرور بعضهم ببعض ، وموافقة بعضهم بعضاً ، أنهم أجابوه لما قال ، وذهبوا تبعاً له ، للاطلاع على قرينه . { فَٱطَّلَعَ } فرأى قرينه { فِي سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } أي : في وسط العذاب وغمراته ، والعذاب قد أحاط به . فـ { قَالَ } له لائماً على حاله ، وشاكراً للّه على نعمته أن نجاه من كيده : { تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ } أي : تهلكني بسبب ما أدخلت عليَّ من الشُّبَه بزعمك ، { وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي } على أن ثبتني على الإسلام { لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } في العذاب معك . { أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلاَّ مَوْتَتَنَا ٱلأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } [ أي : يقوله المؤمن ، مبتهجاً بنعمة اللّه على أهل الجنة بالخلود الدائم فيها والسلامة من العذاب استفهام بمعنى الإثبات والتقرير ] أي : يقول لقرينه المعذب : أفتزعم أننا لسنا نموت سوى الموتة الأولى ، ولا بعث بعدها ولا عذاب . وقوله : { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } وحذف المعمول ، والمقام مقام لذة وسرور ، فدلَّ ذلك على أنهم يتساءلون بكل ما يلتذون بالتحدث به ، والمسائل التي وقع فيها النزاع والإشكال . ومن المعلوم أن لذة أهل العلم بالتساؤل عن العلم ، والبحث عنه ، فوق اللذات الجارية في أحاديث الدنيا ، فلهم من هذا النوع النصيب الوافر ، ويحصل لهم من انكشاف الحقائق العلمية في الجنة ما لا يمكن التعبير عنه . فلما ذكر تعالى نعيم الجنة ، ووصفه بهذه الأوصاف الجميلة ، مدحه ، وشوَّق العاملين ، وحثَّهم على العمل ، فقال : { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } الذي حصل لهم به كل خير ، وكل ما تهوى النفوس وتشتهي ، واندفع عنهم به كل محذور ومكروه ، فهل فوز يطلب فوقه ؟ أم هو غاية الغايات ، ونهاية النهايات ، حيث حل عليهم رضا رب الأرض والسماوات ، وفرحوا بقربه ، وتنعموا بمعرفته ، واستروا برؤيته ، وطربوا لكلامه ؟ { لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ } فهو أحق ما أنفقت فيه نفائس الأنفاس وأولى ما شمر إليه العارفون الأكياس ، والحسرة كل الحسرة ، أن يمضي على الحازم وقت من أوقاته وهو غير مشتغل بالعمل الذي يقرب لهذه الدار ، فكيف إذا كان يسير بخطاياه إلى دار البوار ؟ ! !