Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 53-59)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى عباده المسرفين بسعة كرمه ، ويحثهم على الإنابة قبل أن لا يمكنهم ذلك فقال : { قُلْ } يا أيها الرسول ومَنْ قام مقامه من الدعاة لدين اللّه ، مخبراً للعباد عن ربهم : { يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } باتباع ما تدعوهم إليه أنفسهم من الذنوب ، والسعي في مساخط علام الغيوب . { لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ } أي : لا تيأسوا منها ، فتلقوا بأيديكم إلى التهلكة ، وتقولوا قد كثرت ذنوبنا وتراكمت عيوبنا ، فليس لها طريق يزيلها ولا سبيل يصرفها ، فتبقون بسبب ذلك مصرين على العصيان ، متزودين ما يغضب عليكم الرحمن ، ولكن اعرفوا ربكم بأسمائه الدالة على كرمه وجوده ، واعلموا أنه يغفر الذنوب جميعاً من الشرك ، والقتل ، والزنا ، والربا ، والظلم ، وغير ذلك من الذنوب الكبار والصغار . { إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } أي : وصفه المغفرة والرحمة ، وصفان لازمان ذاتيان ، لا تنفك ذاته عنهما ، ولم تزل آثارهما سارية في الوجود ، مالئة للموجود ، تسح يداه من الخيرات آناء الليل والنهار ، ويوالي النعم على العباد والفواضل في السر والجهار ، والعطاء أحب إليه من المنع ، والرحمة سبقت الغضب وغلبته ، ولكن لمغفرته ورحمته ونيلهما أسباب إن لم يأت بها العبد ، فقد أغلق على نفسه باب الرحمة والمغفرة ، أعظمها وأجلها ، بل لا سبب لها غيره ، الإنابة إلى اللّه تعالى بالتوبة النصوح ، والدعاء والتضرع والتأله والتعبد ، فهلم إلى هذا السبب الأجلِّ ، والطريق الأعظم ، ولهذا أمر تعالى بالإنابة إليه ، والمبادرة إليها فقال : { وَأَنِـيبُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ } بقلوبكم { وَأَسْلِمُواْ لَهُ } بجوارحكم ، إذا أفردت الإنابة ، دخلت فيها أعمال الجوارح ، وإذا جمع بينهما ، كما في هذا الموضع ، كان المعنى ما ذكرنا . وفي قوله { إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ } دليل على الإخلاص ، وأنه من دون إخلاص ، لا تفيد الأعمال الظاهرة والباطنة شيئاً . { مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلْعَذَابُ } مجيئاً لا يدفع { ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } فكأنه قيل : ما هي الإنابة والإسلام ؟ وما جزئياتها وأعمالها ؟ فأجاب تعالى بقوله : { وَٱتَّبِعُـوۤاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُـمْ } مما أمركم من الأعمال الباطنة ، كمحبة اللّه ، وخشيته ، وخوفه ، ورجائه ، والنصح لعباده ، ومحبة الخير لهم ، وترك ما يضاد ذلك . ومن الأعمال الظاهرة ، كالصلاة ، والزكاة والصيام ، والحج ، والصدقة ، وأنواع الإحسان ، ونحو ذلك ، مما أمر اللّه به ، وهو أحسن ما أنزل إلينا من ربنا ، فالمتبع لأوامر ربه في هذه الأمور ونحوها هو المنيب المسلم ، { مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُـمُ ٱلْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } وكل هذا حثٌّ على المبادرة وانتهاز الفرصة . ثم حذرهم { أَن } يستمروا على غفلتهم ، حتى يأتيهم يوم يندمون فيه ، ولا تنفع الندامة . و { تَقُولَ نَفْسٌ يٰحَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ } أي : في جانب حقه . { وَإِن كُنتُ } في الدنيا { لَمِنَ ٱلسَّاخِرِينَ } في إتيان الجزاء ، حتى رأيته عياناً . { أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَانِي لَكُـنتُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } و " لو " في هذا الموضع للتمني ، أي : ليت أن اللّه هداني فأكون متقياً له ، فأسلم من العقاب وأستحق الثواب ، وليست " لو " هنا شرطية ، لأنها لو كانت شرطية ، لكانوا محتجين بالقضاء والقدر على ضلالهم ، وهو حجة باطلة ، ويوم القيامة تضمحل كل حجة باطلة . { أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى ٱلْعَذَابَ } وتجزم بوروده { لَوْ أَنَّ لِي كَـرَّةً } أي : رجعة إلى الدنيا لكنت { مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } قال تعالى : إن ذلك غير ممكن ولا مفيد ، وإن هذه أماني باطلة لا حقيقة لها ، إذ لا يتجدد للعبد لَوْ رُدَّ ، بيان بعد البيان الأول . { بَلَىٰ قَدْ جَآءَتْكَ آيَاتِي } الدالة دلالة لا يمترى فيها على الحق { فَكَذَّبْتَ بِهَا وَٱسْتَكْبَرْتَ } عن اتباعها { وَكُنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } فسؤال الرد إلى الدنيا ، نوع عبث ، { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [ الأنعام : 28 ] .