Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 115-116)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي : ومن يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم ويعانده فيما جاء به { مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ } بالدلائل القرآنية والبراهين النبوية . { وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } وسبيلهم هو طريقهم في عقائدهم وأعمالهم { نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ } أي : نتركه وما اختاره لنفسه ، ونخذله فلا نوفقه للخير ، لكونه رأى الحق وعلمه وتركه ، فجزاؤه من الله عدلاً أن يبقيه في ضلاله حائراً ، ويزداد ضلالاً إلى ضلاله . كما قال تعالى : { فَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } [ الصف : 5 ] وقال تعالى : { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَٰرَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [ الأنعام : 110 ] . ويدل مفهومها ، على أن مَنْ لم يشاقق الرسول ، ويتبع سبيل المؤمنين ، بأن كان قصده وجه الله ، واتباع رسوله ، ولزوم جماعة المسلمين ، ثم صدر منه من الذنوب أو الهم بها ، ما هو من مقتضيات النفوس ، وغلبات الطباع ، فإن الله لا يوليه نفسه وشيطانه ، بل يتداركه بلطفه ، ويمن عليه بحفظه ، ويعصمه من السوء ، كما قال تعالى عن يوسف عليه السلام : { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ } [ يوسف : 24 ] أي : بسبب إخلاصه صرفنا عنه السوء ، وكذلك كل مخلص ، كما يدل عليه عموم التعليل . وقوله : { وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ } أي : نعذبه فيها عذاباً عظيماً . { وَسَآءَتْ مَصِيراً } أي : مرجعاً له ومآلاً . وهذا الوعيد المرتب على الشقاق ، ومخالفة المؤمنين ، مراتب لا يحصيها إلا الله ، بحسب حالة الذنب صغراً وكبراً فمنه ما يخلد في النار ويوجب جميع الخذلان . ومنه ما هو دون ذلك ، فلعل الآية الثانية كالتفصيل لهذا المطلق . وهو : أن الشرك لا يغفره الله تعالى ، لتضمنه القدح في رب العالمين وفي وحدانيته ، وتسوية المخلوق الذي لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ، بمن هو مالك النفع والضر ، الذي ما من نعمة إلا منه ، ولا يدفع النقم إلا هو ، الذي له الكمال المطلق من جميع الوجوه ، والغنى التام بجميع وجوه الاعتبارات . فمن أعظم الظلم وأبعد الضلال عدم إخلاص العبادة لمن هذا شأنه وعظمته ، وصرف شيء منها للمخلوق ، الذي ليس له من صفات الكمال شيء ، ولا له من صفات الغنى شيء ، بل ليس له إلا العدم . عدم الوجود ، وعدم الكمال ، وعدم الغنى ، والفقر من جميع الوجوه . وأما ما دون الشرك من الذنوب والمعاصي ، فهو تحت المشيئة ، إن شاء الله غفره برحمته وحكمته ، وإن شاء عذب عليه ، وعاقب بعدله وحكمته ، وقد استدل بهذه الآية الكريمة ، على أن إجماع هذه الأُمة حجة ، وأنها معصومة من الخطأ . ووجه ذلك : أن الله توعد من خالف سبيل المؤمنين بالخذلان والنار ، و { سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } مفرد مضاف يشمل سائر ما المؤمنون عليه من العقائد والأعمال . فإذا اتفقوا على إيجاب شيء ، أو استحبابه ، أو تحريمه ، أو كراهته ، أو إباحته - فهذا سبيلهم ، فمن خالفهم في شيء من ذلك بعد انعقاد إجماعهم عليه ، فقد اتبع غير سبيلهم . ويدل على ذلك قوله تعالى : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } [ آل عمران : 110 ] . ووجه الدلالة منها : أن الله تعالى أخبر أن المؤمنين من هذه الأمة لا يأمرون إلا بالمعروف ، فإذا اتفقوا على إيجاب شيء أو استحبابه ، فهو مما أمروا به ، فيتعين بنص الآية أن يكون معروفاً ، ولا شيء بعد المعروف غير المنكر ، وكذلك إذا اتفقوا على النهي عن شيء ، فهو مما نهوا عنه ، فلا يكون إلا منكراً ، ومثل ذلك قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } [ البقرة : 143 ] فأخبر تعالى أن هذه الأُمة جعلها الله وسطاً ، أي : عدلاً خياراً ، ليكونوا شهداء على الناس ، أي : في كل شيء ، فإذا شهدوا على حكم بأن الله أمر به أو نهى عنه أو أباحه ، فإن شهادتهم معصومة ، لكونهم عالمين بما شهدوا به ، عادلين في شهادتهم ، فلو كان الأمر بخلاف ذلك لم يكونوا عادلين في شهادتهم ، ولا عالمين بها . ومثل ذلك قوله تعالى : { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ } [ النساء : 59 ] يفهم منها أن ما لم يتنازعوا فيه ، بل اتفقوا عليه ، أنهم غير مأمورين برده إلى الكتاب والسُنّة ، وذلك لا يكون إلا موافقاً للكتاب والسُنّة فلا يكون مخالفاً . فهذه الأدلة ونحوها تفيد القطع ، أن إجماع هذه الأُمة حجة قاطعة ، ولهذا بيّن الله قبح ضلال المشركين بقوله : { إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَٰثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ … } .