Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 131-132)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى عن عموم ملكه العظيم الواسع ، المستلزم تدبيره بجميع أنواع التدبير ، وتصرفه بأنواع التصريف قدراً وشرعاً ، فتصرفه الشرعي أن وصى الأولين والآخرين أهل الكتب السابقة واللاحقة بالتقوى المتضمنة للأمر والنهي ، وتشريع الأحكام ، والمجازاة لمن قام بهذه الوصية بالثواب ، والمعاقبة لمن أهملها وضيعها بأليم العذاب . ولهذا قال : { وَإِن تَكْفُرُواْ } بأن تتركوا تقوى الله ، وتشركوا بالله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً ، فإنكم لا تضرون بذلك إلا أنفسكم ، ولا تضرون الله شيئاً ، ولا تنقصون ملكه ، وله عبيد خير منكم وأعظم ، وأكثر مطيعون له خاضعون لأمره . ولهذا رتب على ذلك قوله : { وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَنِيّاً حَمِيداً } له الجود الكامل والإحسان الشامل الصادر من خزائن رحمته ، التي لا ينقصها الإنفاق ، ولا يغيضها نفقة ، سحاء الليل والنهار ، لو اجتمع أهل السماوات وأهل الأرض ، أولهم وآخرهم ، فسأل كل [ واحد ] منهم ما بلغت أمانيه ، ما نقص من ملكه شيئاً ، ذلك بأنه جواد واجد ماجد ، عطاؤه كلام ، وعذابه كلام ، إنما أمره لشيء إذا أراد أن يقول له كن فيكون . ومن تمام غناه أنه كامل الأوصاف ، إذ لو كان فيه نقص بوجه من الوجوه ، لكان فيه نوع افتقار إلى ذلك الكمال ، بل له كل صفة كمال ، ومن تلك الصفة كمالها ، ومن تمام غناه أنه لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً ، ولا شريكاً في ملكه ولا ظهيراً ، ولا معاوناً له على شيء من تدابير ملكه . ومن كمال غناه افتقار العالم العلوي والسفلي ، في جميع أحوالهم وشؤونهم إليه ، وسؤالهم إياه جميع حوائجهم الدقيقة والجليلة ، فقام تعالى بتلك المطالب والأسئلة ، وأغناهم وأقناهم ، ومنَّ عليهم بلطفه وهداهم . وأما الحميد فهو من أسماء الله تعالى الجليلة الدال على أنه [ هو ] المستحق لكل حمد ، ومحبة وثناء وإكرام ، وذلك لما اتصف به من صفات الحمد ، التي هي صفة الجمال والجلال ، ولما أنعم به على خلقه من النِّعم الجزال ، فهو المحمود على كل حال . وما أحسن اقتران هذين الاسمين الكريمين { غَنِيّاً حَمِيداً } ! ! فإنه غني محمود ، فله كمال من غناه ، وكمال من حمده ، وكمال من اقتران أحدهما بالآخر . ثم كرر إحاطة ملكه لما في السماوات وما في الأرض ، وأنه على كل شيء وكيل ، أي : عالم قائم بتدبير الأشياء على وجه الحكمة ، فإن ذلك من تمام الوكالة ، فإن الوكالة تستلزم العلم بما هو وكيل عليه ، والقوة والقدرة على تنفيذه ، وتدبيره وكون ذلك التدبير على وجه الحكمة والمصلحة ، فما نقص من ذلك فهو لنقص بالوكيل ، والله تعالى منزه عن كل نقص .