Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 172-173)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر تعالى غلو النصارى في عيسى عليه السلام ، وذكر أنه عبده ورسوله ، ذكر هنا أنه لا يستنكف عن عبادة ربه ، أي : لا يمتنع عنها رغبة عنها لا هو { للَّهِ وَلاَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } . فنزههم عن الاستنكاف ، وتنزيههم عن الاستكبار من باب أولى ، ونفي الشيء فيه إثبات ضده . أي : فعيسى والملائكة المقربون ، قد رغبوا في عبادة ربهم ، وأحبوها وسعوا فيها بما يليق بأحوالهم ، فأوجب لهم ذلك الشرف العظيم ، والفوز العظيم ، فلم يستنكفوا أن يكونوا عبيداً لربوبيته ولا لإلهيته ، بل يرون افتقارهم لذلك فوق كل افتقار . ولا يظن أن رفع عيسى أو غيره من الخلق فوق مرتبته التي أنزله الله فيها ، وترفعه عن العبادة كمالاً ، بل هو النقص بعينه ، وهو محل الذم والعقاب ، ولهذا قال : { وَمَن يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً } أي : فسيحشر الخلق كلهم إليه ، المستنكفين والمستكبرين ، وعباده المؤمنين ، فيحكم بينهم بحكمه العدل ، وجزائه الفصل . ثم فصل حكمه فيهم فقال : { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } أي : جمعوا بين الإيمان المأمور به ، وعمل الصالحات من واجبات ومستحبات ، من حقوق الله وحقوق عباده . { فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ } أي : الأجور التي رتبها على الأعمال ، كُلٌّ بحسب إيمانه وعمله . { وَيَزيدُهُمْ مِّن فَضْلِهِ } من الثواب الذي لم تنله أعمالهم ، ولم تصل إليه أفعالهم ، ولم يخطر على قلوبهم . ودخل في ذلك كل ما في الجنة من المآكل والمشارب ، والمناكح ، والمناظر ، والسرور ، ونعيم القلب والروح ، ونعيم البدن ، بل يدخل في ذلك كل خير ديني ودنيوي رتب على الإيمان والعمل الصالح . { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْتَنكَفُواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ } أي : عن عبادة الله تعالى { فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } وهو سخط الله وغضبه ، والنار الموقدة التي تطلع على الأفئدة . { وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } أي : لا يجدون أحداً من الخلق يتولاهم فيحصل لهم المطلوب ، ولا مَنْ ينصرهم فيدفع عنهم المرهوب ، بل قد تخلى عنهم أرحم الراحمين ، وتركهم في عذابهم خالدين ، وما حكم به تعالى فلا رادّ لحكمه ولا مغيّر لقضائه .