Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 26-28)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى بمنته العظيمة ، ومنحته الجسيمة ، وحسن تربيته لعباده المؤمنين ، وسهولة دينه ، فقال : { يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ } أي : جميع ما تحتاجون إلى بيانه من الحق والباطل ، والحلال والحرام ، { وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } أي : الذين أنعم الله عليهم من النبيين وأتباعهم ، في سيرهم الحميدة ، وأفعالهم السديدة ، وشمائلهم الكاملة ، وتوفيقهم التام . فلذلك نفذ ما أراده ، ووضح لكم ، وبيّن بياناً كما بُيِّن لمن قبلكم ، وهداكم هداية عظيمة في العلم والعمل . { وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ } أي : يلطف لكم في أحوالكم وما شرعه لكم ، حتى تمكنوا من الوقوف على ما حده الله ، والاكتفاء بما أحله ، فتقل ذنوبكم بسبب ما يسر الله عليكم ، فهذا من توبته على عباده . ومن توبته عليهم أنهم إذا أذنبوا فتح لهم أبواب الرحمة ، وأوزع قلوبهم الإنابة إليه ، والتذلل بين يديه ثم يتوب عليهم بقبول ما وفقهم له . فله الحمد والشكر على ذلك . وقوله : { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } أي : كامل الحكمة ، فمن علمه أن علمكم ما لم تكونوا تعلمون ، ومنها هذه الأشياء والحدود . ومن حكمته أنه يتوب على مَنْ اقتضت حكمته ورحمته التوبة عليه ، ويخذل من اقتضت حكمته وعدله مَنْ لا يصلح للتوبة . وقوله : { وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } أي : توبة تلم شعثكم ، وتجمع متفرقكم ، وتقرِّب بعيدكم . { وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَاتِ } أي : يميلون معها حيث مالت ويقدمونها على ما فيه رضا محبوبهم ، ويعبدون أهواءهم ، من أصناف الكفرة والعاصين ، المقدمين لأهوائهم على طاعة ربهم ، فهؤلاء يريدون { أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً } أي : [ أن ] تنحرفوا عن الصراط المستقيم ، إلى صراط المغضوب عليهم والضالين . يريدون أن يصرفوكم عن طاعة الرحمن إلى طاعة الشيطان ، وعن التزام حدود من السعادة كلها في امتثال أوامره ، إلى من الشقاوة كلها في اتباعه . فإذا عرفتم أن الله تعالى يأمركم بما فيه صلاحكم وفلاحكم وسعادتكم ، وأن هؤلاء المتبعين لشهواتهم يأمرونكم بما فيه غاية الخسار والشقاء ، فاختاروا لأنفسكم أولى الداعيين ، وتخيّروا أحسن الطريقتين . { يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ } أي : بسهولة ما أمركم به و [ ما ] نهاكم عنه ، ثم مع حصول المشقة في بعض الشرائع ، أباح لكم ما تقتضيه حاجتكم ، كالميتة والدم ونحوهما للمضطر ، وكتزوج الأمة للحر بتلك الشروط السابقة . وذلك لرحمته التامة وإحسانه الشامل ، وعلمه وحكمته بضعف الإنسان من جميع الوجوه ، ضعف البنية ، وضعف الإرادة ، وضعف العزيمة ، وضعف الإيمان ، وضعف الصبر ، فناسب ذلك ، أن يخفف الله عنه ، ما يضعف عنه وما لا يطيقه إيمانه وصبره وقوته .