Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 29-30)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ينهى تعالى عباده المؤمنين أن يأكلوا أموالهم بينهم بالباطل ، وهذا يشمل أكلها بالغصوب والسرقات ، وأخذها بالقمار والمكاسب الرديئة . بل لعله يدخل في ذلك أكل مال نفسك على وجه البطر والإسراف ، لأن هذا من الباطل وليس من الحق . ثم إنه - لما حرم أكلها بالباطل - أباح لهم أكلها بالتجارات والمكاسب الخالية من الموانع ، المشتملة على الشروط من التراضي وغيره . { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ } أي : لا يقتل بعضكم بعضاً ، ولا يقتل الإنسان نفسه . ويدخل في ذلك الإلقاء بالنفس إلى التهلكة ، وفعل الأخطار المفضية إلى التلف والهلاك . { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } ومن رحمته ، أن صان نفوسكم وأموالكم ، ونهاكم عن إضاعتها وإتلافها ، ورتب على ذلك ما رتبه من الحدود . وتأمل هذا الإيجاز والجمع في قوله : { لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَٰلَكُمْ } { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ } كيف شمل أموال غيرك ومال نفسك وقتل نفسك وقتل غيرك ، بعبارة أخصر من قوله : " لا يأكل بعضكم مال بعض " و " لا يقتل بعضكم بعضاً " مع قصور هذه العبارة على مال الغير ، ونفس الغير فقط . مع أن إضافة الأموال والأنفس إلى عموم المؤمنين فيه دلالة على أن المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم ومصالحهم ، كالجسد الواحد ، حيث كان الإيمان يجمعهم على مصالحهم الدينية والدنيوية . ولما نهى عن أكل الأموال بالباطل التي فيها غاية الضرر عليهم ، على الآكل ، ومن أخذ ماله ، أباح لهم ما فيه مصلحتهم من أنواع المكاسب والتجارات ، وأنواع الحرف والإجارات ، فقال : { إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ } أي : فإنها مباحة لكم . وشرط التراضي - مع كونها تجارة - لدلالة أنه يشترط أن يكون العقد غير عقد ربا ، لأن الربا ليس من التجارة ، بل مخالف لمقصودها ، وأنه لا بد أن يرضى كل من المتعاقدين ويأتي به اختياراً . ومن تمام الرضا أن يكون المعقود عليه معلوماً ، لأنه إذا لم يكن كذلك لا يتصور الرضا مقدوراً على تسليمه ، لأن غير المقدور عليه شبيه ببيع القمار ، فبيع الغرر بجميع أنواعه خال من الرضا ، فلا ينفذ عقده . وفيها أنه تنعقد العقود بما دل عليها من قول أو فعل ، لأن الله شرط الرضا ، فبأي طريق حصل الرضا انعقد به العقد . ثم ختم الآية بقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } ومن رحمته أن عصم دماءكم وأموالكم وصانها ، ونهاكم عن انتهاكها . ثم قال : { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ } أي : أكل الأموال بالباطل ، وقتل النفوس { عُدْوَاناً وَظُلْماً } أي : لا جهلاً ونسياناً { فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً } أي : عظيمة كما يفيده التنكير { وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } .