Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 44-46)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا ذم لمن { أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ } وفي ضمنه تحذير عباده عن الاغترار بهم ، والوقوع في أشراكهم ، فأخبر أنهم ، في أنفسهم { يَشْتَرُونَ ٱلضَّلَٰلَةَ } أي : يحبونها محبة عظيمة ويؤثرونها إيثار من يبذل المال الكثير في طلب ما يحبه ، فيؤثرون الضلال على الهدى ، والكفر على الإيمان ، والشقاء على السعادة ، ومع هذا { يُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ } . فهم حريصون على إضلالكم غاية الحرص ، باذلون جهدهم في ذلك ، ولكن لما كان الله ولي عباده المؤمنين وناصرهم ، بيّن لهم ما اشتملوا عليه من الضلال والإضلال ، ولهذا قال : { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيّاً } أي : يتولى أحوال عباده ، ويلطف بهم في جميع أمورهم ، وييسر لهم ما به سعادتهم وفلاحهم . { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيراً } ينصرهم على أعدائهم ويبين لهم ما يحذرون منهم ويعينهم عليهم . فولايته تعالى فيها حصول الخير ، ونصره فيه زوال الشر . ثم بين كيفية ضلالهم وعنادهم ، وإيثارهم الباطل على الحق فقال : { مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ } أي : اليهود وهم علماء الضلال منهم . { يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ } إما بتغيير اللفظ أو المعنى ، أو هما جميعاً . فمن تحريفهم تنزيل الصفات التي ذكرت في كتبهم التي لا تنطبق ولا تصدق إلا على محمد صلى الله عليه وسلم على أنه غير مراد بها ، ولا مقصود بها ، بل أريد بها غيره ، وكتمانهم ذلك . فهذا حالهم في العلم أشر حال ، قلبوا فيه الحقائق ، ونزلوا الحق على الباطل ، وجحدوا لذلك الحق ، وأما حالهم في العمل والانقياد فإنهم { يَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } أي : سمعنا قولك وعصينا أمرك ، وهذا غاية الكفر والعناد ، والشرود عن الانقياد ، وكذلك يخاطبون الرسول صلى الله عليه وسلم بأقبح خطاب وأبعده عن الأدب ، فيقولون : { وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ } قصدهم : اسمع منا غير مسمع ما تحب ، بل مسمع ما تكره ، { وَرَٰعِنَا } قصدهم بذلك الرعونة ، بالعيب القبيح ، ويظنون أن اللفظ - لما كان محتملاً لغير ما أرادوا من الأُمور - أنه يروج على الله وعلى رسوله ، فتوصلوا بذلك اللفظِ الذي يلوون به ألسنتهم إلى الطعن في الدين ، والعيب للرسول ، ويصرحون بذلك فيما بينهم ، فلهذا قال : { لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي ٱلدِّينِ } . ثم أرشدهم إلى ما هو خيرٌ لهم من ذلك فقال : { وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَٱسْمَعْ وَٱنْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ } . وذلك لما تضمنه هذا الكلام من حسن الخطاب والأدب اللائق في مخاطبة الرسول ، والدخول تحت طاعة الله والانقياد لأمره ، وحسن التلطف في طلبهم العلم ، بسماع سؤالهم ، والاعتناء بأمرهم ، فهذا هو الذي ينبغي لهم سلوكه . ولكن لما كانت طبائعهم غير زكية ، أعرضوا عن ذلك ، وطردهم الله بكفرهم وعنادهم ، ولهذا قال : { وَلَكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } .