Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 43-43)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ينهى تعالى عباده المؤمنين أن يقربوا الصلاة وهم سكارى ، حتى يعلموا ما يقولون ، وهذا شامل لقربان مواضع الصلاة كالمسجد ، فإنه لا يمكن السكران من دخوله . وشامل لنفس الصلاة ، فإنه لا يجوز للسكران صلاة ولا عبادة ، لاختلاط عقله وعدم علمه بما يقول ، ولهذا حدّد تعالى ذلك وغياه إلى وجود العلم ، بما يقول السكران . وهذه الآية الكريمة منسوخة بتحريم الخمر مطلقاً ، فإن الخمر - في أول الأمر - كان غير محرّم ، ثم إن الله تعالى عرض لعباده بتحريمه ، بقوله : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا } [ البقرة : 219 ] . ثم إنه تعالى نهاهم عن الخمر عند حضور الصلاة ، كما في هذه الآية ، ثم إنه تعالى حرّمه على الإطلاق في جميع الأوقات في قوله : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ } [ المائدة : 90 ] الآية . ومع هذا فإنه يشتد تحريمه وقت حضور الصلاة ، لتضمنه هذه المفسدة العظيمة ، بعد حصول مقصود الصلاة الذي هو روحها ولبها ، وهو الخشوع وحضور القلب ، فإن الخمر يسكر القلب ، ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة ، ويؤخذ من المعنى منع الدخول في الصلاة في حال النعاس المفرط ، الذي لا يشعر صاحبه بما يقول ويفعل ، بل لعل فيه إشارة إلى أنه ينبغي لمن أراد الصلاة أن يقطع عنه كل شاغل يشغل فكره ، كمدافعة الأخبثين ، والتوق لطعام ونحوه ، كما ورد في ذلك الحديث الصحيح . ثم قال : { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ } أي : لا تقربوا الصلاة حالة كون أحدكم جنباً ، إلا في هذه الحال ، وهو عابر السبيل أي : تمرون في المسجد ولا تمكثون فيه ، { حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ } أي : فإذا اغتسلتم ، فهو غاية المنع من قربان الصلاة للجنب ، فيحل للجنب المرور في المسجد فقط . { وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ } . فأباح التيمم للمريض مطلقاً مع وجود الماء وعدمه ، والعلة المرض الذي يشق معه استعمال الماء ، وكذلك السفر فإنه مظنة فقد الماء ، فإذا فقده المسافر أو وجد ما يتعلق بحاجته من شرب ونحوه ، جاز له التيمم . وكذلك إذا أحدث الإنسان ببول أو غائط أو ملامسة النساء ، فإنه يُباح له التيمم إذا لم يجد الماء ، حضراً وسفراً ، كما يدل على ذلك عموم الآية . والحاصل : أن الله تعالى أباح التيمم في حالتين : حال عدم الماء ، وهذا مطلقاً في الحضر والسفر . وحال المشقة باستعماله بمرض ونحوه . واختلف المفسرون في معنى قوله : { أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } هل المراد بذلك : الجِمَاع ، فتكون الآية نصاً في جواز التيمم للجنب ، كما تكاثرت بذلك الأحاديث الصحيحة ؟ أو المراد بذلك مجرد اللمس باليد ، ويقيد ذلك بما إذا كان مظنة خروج المذي ، وهو المس الذي يكون لشهوة ، فتكون الآية دالة على نقض الوضوء بذلك ؟ واستدل الفقهاء بقوله : { فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً } بوجوب طلب الماء عند دخول الوقت ، قالوا : لأنه لا يقال : " لم يجد " لمن لم يطلب ، بل لا يكون ذلك إلا بعد الطلب ، واستدل بذلك أيضاً على أن الماء المتغير بشيء من الطاهرات يجوز بل يتعين التطهر به لدخوله في قوله : { فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً } وهذا ماء . ونوزع في ذلك أنه ماء غير مطلق ، وفي ذلك نظر . وفي هذه الآية الكريمة مشروعية هذا الحكم العظيم الذي امتن به الله على هذه الأمة ، وهو مشروعية التيمم ، وقد أجمع على ذلك العلماء ولله الحمد ، وأن التيمم يكون بالصعيد الطيب ، وهو كل ما تصاعد على وجه الأرض ، سواء كان له غبار أم لا ، ويحتمل أن يختص ذلك بذي الغبار ، لأن الله قال : { فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ } وما لا غبار له لا يمسح به . وقوله : { فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ } هذا محل المسح في التيمم : الوجه جميعه ، واليدان إلى الكوعين ، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة ، ويستحب أن يكون ذلك بضربة واحدة ، كما دل على ذلك حديث عمار ، وفيه أن تيمم الجنب كتيمم غيره ، بالوجه واليدين . فائدة اعلم أن قواعد الطب تدور على ثلاث قواعد : حفظ الصحة عن المؤذيات ، والاستفراغ منها ، والحمية عنها . وقد نبه تعالى عليها في كتابه العزيز . أما حفظ الصحة والحمية عن المؤذي ، فقد أمر بالأكل والشرب وعدم الإسراف في ذلك ، وأباح للمسافر والمريض الفطر حفظاً لصحتهما ، باستعمال ما يصلح البدن على وجه العدل ، وحماية للمريض عما يضره . وأما استفراغ المؤذي فقد أباح تعالى للمحرم المتأذي برأسه أن يحلقه لإزالة الأبخرة المحتقنة فيه ، ففيه تنبيه على استفراغ ما هو أولى منها ، من البول والغائط والقيء والمني والدم ، وغير ذلك ، نبه على ذلك ابن القيم رحمه الله تعالى . وفي الآية وجوب تعميم مسح الوجه واليدين ، وأنه يجوز التيمم ولو لم يضق الوقت ، وأنه لا يخاطب بطلب الماء إلا بعد وجود سبب الوجوب والله أعلم . ثم ختم الآية بقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً } أي : كثير العفو والمغفرة لعباده المؤمنين ، بتيسير ما أمرهم به ، وتسهيله غاية التسهيل ، بحيث لا يشق على العبد امتثاله ، فيحرج بذلك . ومن عفوه ومغفرته أن رحم هذه الأمة بشرع طهارة التراب بدل الماء ، عند تعذر استعماله . ومن عفوه ومغفرته أن فتح للمذنبين باب التوبة والإنابة ودعاهم إليه ووعدهم بمغفرة ذنوبهم . ومن عفوه ومغفرته ، أن المؤمن لو أتاه بقراب الأرض خطايا ثم لقيه لا يشرك به شيئاً ، لأتاه بقرابها مغفرة .