Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 88-91)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المراد بالمنافقين المذكورين في هذه الآيات : المنافقون المظهرون إسلامهم ، ولم يهاجروا مع كفرهم ، وكان قد وقع بين الصحابة رضوان الله عليهم فيهم اشتباه ، فبعضهم تحرج عن قتالهم ، وقطع موالاتهم بسبب ما أظهروه من الإيمان ، وبعضهم علم أحوالهم بقرائن أفعالهم ، فحكم بكفرهم ، فأخبرهم الله تعالى أنه لا ينبغي لكم أن تشتبهوا فيهم ولا تشكوا ، بل أمرهم واضح غير مشكل ، إنهم منافقون قد تكرر كفرهم ، وودوا مع ذلك كفركم ، وأن تكونوا مثلهم . فإذا تحققتم ذلك منهم { فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ } وهذا يستلزم عدم محبتهم ، لأن الولاية فرع المحبة . ويستلزم أيضاً بغضهم وعداوتهم ، لأن النهي عن الشيء أمر بضده ، وهذا الأمر موقت بهجرتهم ، فإذا هاجروا جرى عليهم ما جرى على المسلمين ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يجري أحكام الإسلام لكل مَنْ كان معه وهاجر إليه ، وسواء كان مؤمناً حقيقة أو ظاهر الإيمان . وأنهم إن لم يهاجروا وتولوا عنها { فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } أي : في أي وقت ، وأي محل كان ، وهذا من جملة الأدلة الدالة ، على نسخ القتال في الأشهر الحرم ، كما هو قول جمهور العلماء ، والمنازعون يقولون : هذه نصوص مطلقة ، محمولة على تقييد التحريم في الأشهر الحرم . ثم إن الله استثنى من قتال هؤلاء المنافقين ثلاث فِرَق : فرقتين أمر بتركهم وحتَّم [ على ] ذلك ، إحداهما : من يصل إلى قوم بينهم وبين المسلمين عهد وميثاق بترك القتال فينضم إليهم ، فيكون له حكمهم في حقن الدم والمال . والفِرقَة الثانية : قوم { حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَٰتِلُوكُمْ أَوْ يُقَٰتِلُواْ قَوْمَهُمْ } أي : بقوا ، لا تسمح أنفسهم بقتالكم ، ولا بقتال قومهم ، وأحبوا ترك قتال الفريقين ، فهؤلاء أيضاً أمر بتركهم ، وذكر الحكمة في ذلك في قوله : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَٰتَلُوكُمْ } فإن الأمور الممكنة ثلاثة أقسام : إما أن يكونوا معكم ويقاتلوا أعداءكم ، وهذا متعذر من هؤلاء ، فدار الأمر بين قتالكم مع قومهم ، وبين ترك قتال الفريقين ، وهو أهون الأمرين عليكم ، والله قادر على تسليطهم عليكم ، فاقبلوا العافية ، واحمدوا ربكم الذي كف أيديهم عنكم مع التمكن من ذلك . فَهؤلاء { إِنِ ٱعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَٰتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً } . الفرقة الثالثة : قوم يريدون مصلحة أنفسهم ، بقطع النظر عن احترامكم ، وهم الذين قال الله فيهم : { سَتَجِدُونَ آخَرِينَ } أي : من هؤلاء المنافقين . { يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ } أي : خوفاً منكم { وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوۤاْ إِلَى ٱلْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا } أي : لا يزالون مقيمين على كفرهم ونفاقهم ، وكلما عرض لهم عارض من عوارض الفتن ، أعماهم ونكسهم على رؤوسهم ، وازداد كفرهم ونفاقهم ، وهؤلاء في الصورة كالفرقة الثانية ، وفي الحقيقة مخالفة لها . فإن الفرقة الثانية تركوا قتال المؤمنين احتراماً لهم ، لا خوفاً على أنفسهم ، وأما هذه الفرقة فتركوه خوفاً لا احتراماً ، بل لو وجدوا فرصة في قتال المؤمنين ، فإنهم مستعدون لانتهازها ، فهؤلاء إن لم يتبين منهم ، ويتضح اتضاحاً عظيماً اعتزال المؤمنين وترك قتالهم ، فإنهم يقاتلون ، ولهذا قال : { فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوۤاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ } أي : المسالمة والموادعة { وَيَكُفُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَـٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً } أي : حجة بينة واضحة ، لكونهم معتدين ظالمين لكم تاركين للمسالمة ، فلا يلوموا إلا أنفسهم .