Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 13-17)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يذكر تعالى نعمه العظيمة على عباده ، بتبيين الحق من الباطل ، بما يُرِي عباده من آياته النفسية والآفاقية والقرآنية ، الدالة على كل مطلوب مقصود ، الموضحة للهدى من الضلال ، بحيث لا يبقى عند الناظر فيها والمتأمل لها أدنى شك في معرفة الحقائق ، وهذا من أكبر نعمه على عباده ، حيث لم يُبْقِ الحق مشتبهاً ، ولا الصواب ملتبساً ، بل نوَّع الدلالات ووضح الآيات ، ليهلك مَنْ هلك عن بيّنة ، ويحيا مَنْ حي عن بيّنة وكلَّما كانت المسائل أجلُّ وأكبر ، كانت الدلائل عليها أكثر وأيسر ، فانظر إلى التوحيد لما كانت مسألته من أكبر المسائل ، بل أكبرها ، كثرت الأدلة عليها العقلية والنقلية وتنوعت ، وضرب الله لها الأمثال وأكثر لها من الاستدلال ، ولهذا ذكرها في هذا الموضع ، ونبه على جملة من أدلتها فقال : { فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } . ولما ذكر أنه يُرِي عباده آياته ، نبه على آية عظيمة فقال : { وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزْقاً } أي : مطراً به ترزقون وتعيشون أنتم وبهائمكم ، وذلك يدل على أن النعَم كلها منه ، فمنه نِعَم الدين ، وهي المسائل الدينية والأدلة عليها ، وما يتبع ذلك من العمل بها . والنعَم الدنيوية كلها ، كالنعم الناشئة عن الغيث ، الذي تحيا به البلاد والعباد . وهذا يدل دلالة قاطعة أنه وحده هو المعبود ، الذي يتعين إخلاص الدين له ، كما أنه - وحده - المنعم . { وَمَا يَتَذَكَّرُ } بالآيات حين يذكر بها { إِلاَّ مَن يُنِيبُ } إلى الله تعالى ، بالإقبال على محبته وخشيته وطاعته والتضرع إليه ، فهذا الذي ينتفع بالآيات ، وتصير رحمة في حقه ، ويزداد بها بصيرة . ولما كانت الآيات تثمر التذكر ، والتذكر يوجب الإخلاص للّه ، رتب الأمر على ذلك بالفاء الدالة على السببية فقال : { فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } وهذا شامل لدعاء العبادة ودعاء المسألة ، والإخلاص معناه : تخليص القصد للّه تعالى في جميع العبادات الواجبة والمستحبة ، حقوق الله وحقوق عباده . أي : أخلصوا للّه تعالى في كل ما تدينونه به وتتقربون به إليه . { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ } لذلك ، فلا تبالوا بهم ، ولا يثنكم ذلك عن دينكم ، ولا تأخذكم بالله لومة لائم ، فإن الكافرين يكرهون الإخلاص لله وحده غاية الكراهة ، كما قال تعالى : { وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ٱشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } [ الزمر : 45 ] . ثم ذكر من جلاله وكماله ما يقتضي إخلاص العبادة له فقال : { رَفِيعُ ٱلدَّرَجَاتِ ذُو ٱلْعَرْشِ } أي : العلي الأعلى ، الذي استوى على العرش واختص به ، وارتفعت درجاته ارتفاعاً باين به مخلوقاته ، وارتفع به قدره ، وجلت أوصافه ، وتعالت ذاته ، أن يتقرب إليه إلاّ بالعمل الزكي الطاهر المطهّر ، وهو الإخلاص ، الذي يرفع درجات أصحابه ويقربهم إليه ، ويجعلهم فوق خلقه ، ثم ذكر نعمته على عباده بالرسالة والوحي ، فقال : { يُلْقِي ٱلرُّوحَ } أي : الوحي الذي للأرواح والقلوب بمنزلة الأرواح للأجساد ، فكما أن الجسد بدون الروح لا يحيا ولا يعيش ، فالروح والقلب بدون روح الوحي لا يصلح ولا يفلح ، فهو تعالى { يُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ } الذي فيه نفع العباد ومصلحتهم . { عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } وهم الرسل الذين فضلهم الله واختصهم الله لوحيه ودعوة عباده . والفائدة في إرسال الرسل ، هو تحصيل سعادة العباد في دينهم ودنياهم وآخرتهم ، وإزالة الشقاوة عنهم في دينهم ودنياهم وآخرتهم ، ولهذا قال : { لِيُنذِرَ } مَنْ ألقى الله إليه الوحي { يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } أي : يخوف العباد بذلك ، ويحثهم على الاستعداد له بالأسباب المنجية مما يكون فيه . وسماه { يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } لأنه يلتقي فيه الخالق والمخلوق ، والمخلوقون بعضهم مع بعض ، والعاملون وأعمالهم وجزاؤهم . { يَوْمَ هُم بَارِزُونَ } أي : ظاهرون على الأرض ، قد اجتمعوا في صعيد واحد ، لا عوج ولا أمت فيه ، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر . { لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ } لا من ذواتهم ولا من أعمالهم ، ولا من جزاء تلك الأعمال . { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } أي : مَنْ هو المالك لذلك اليوم العظيم الجامع للأولين والآخرين ، أهل السماوات وأهل الأرض ، الذي انقطعت فيه الشركة في الملك ، وتقطعت الأسباب ، ولم يبق إلاّ الأعمال الصالحة أو السيئة ؟ الملك { لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } أي : المنفرد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله ، فلا شريك له في شيء منها بوجه من الوجوه . { ٱلْقَهَّارِ } لجميع المخلوقات ، الذي دانت له المخلوقات وذلت وخضعت ، خصوصاً في ذلك اليوم الذي عنت فيه الوجوه للحي القيوم ، يومئذ لا تَكَلَّمُ نفس إلا بإذنه . { ٱلْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَـسَبَتْ } في الدنيا ، من خير وشّر ، قليل وكثير . { لاَ ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ } على أحد ، بزيادة في سيئاته ، أو نقص من حسناته . { إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } أي : لا تستبطئوا ذلك اليوم فإنه آت ، وكل آت قريب . وهو أيضاً سريع المحاسبة لعباده يوم القيامة ، لإحاطة علمه وكمال قدرته .