Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 61-65)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

تدبر هذه الآيات الكريمات ، الدالة على سعة رحمة الله تعالى وجزيل فضله ، ووجوب شكره ، وكمال قدرته ، وعظيم سلطانه ، وسعة ملكه ، وعموم خلقه لجميع الأشياء ، وكمال حياته ، واتصافه بالحمد على كل ما اتصف به من الصفات الكاملة ، وما فعله من الأفعال الحسنة ، وتمام ربوبيته وانفراده فيها ، وأن جميع التدبير في العالم العلوي والسفلي في ماضي الأوقات وحاضرها ، ومستقبلها بيد الله تعالى ، ليس لأحد من الأمر شىء ، ولا من القدرة شيء ، فينتج من ذلك ، أنه تعالى المألوه المعبود وحده ، الذي لا يستحق أحد غيره من العبودية شيئاً ، كما لم يستحق من الربوبية شيئاً ، وينتج من ذلك ، امتلاء القلوب بمعرفة الله تعالى ومحبته وخوفه ورجائه ، وهذان الأمران - وهما معرفته وعبادته - هما اللذان خلق الله الخلق لأجلهما ، وهما الغاية المقصودة منه تعالى لعباده ، وهما الموصلان إلى كل خير وفلاح وصلاح ، وسعادة دنيوية وأخروية ، وهما اللذان هما أشرف عطايا الكريم لعباده ، وهما أشرف اللذات على الإطلاق ، وهما اللذان إن فاتا فات كل خير وحضر كل شر . فنسأله تعالى أن يملأ قلوبنا بمعرفته ومحبته ، وأن يجعل حركاتنا الباطنة والظاهرة ، خالصة لوجهه ، تابعة لأمره ، إنه لا يتعاظمه سؤال ، ولا يحفيه نوال . فقوله تعالى : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ } أي : لأجلكم جعل الله الليل مظلماً ، { لِتَسْكُنُواْ فِيهِ } من حركاتكم ، التي لو استمرت لضرت ، فتأوون إلى فرشكم ، ويلقي الله عليكم النوم الذي يستريح به القلب والبدن ، وهو من ضروريات الآدمي لا يعيش بدونه ، ويسكن أيضاً ، كل حبيب إلى حبيبه ، ويجتمع الفكر ، وتقل الشواغل . { وَ } جعل تعالى { ٱلنَّهَـارَ مُبْصِـراً } منيراً بالشمس المستمرة في الفلك ، فتقومون من فرشكم إلى أشغالكم الدينية والدنيوية ، هذا لذكره وقراءته ، وهذا لصلاته ، وهذا لطلبه العلم ودراسته ، وهذا لبيعه وشرائه ، وهذا لبنائه أو حدادته ، أو نحوها من الصناعات ، وهذا لسفره براً وبحراً ، وهذا لفلاحته ، وهذا لتصليح حيواناته . { إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ } أي : عظيم ، كما يدل عليه التنكير { عَلَى ٱلنَّاسِ } حيث أنعم عليهم بهذه النِّعم وغيرها ، وصرف عنهم النقم ، وهذا يوجب عليهم تمام شكره وذكره ، { وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } بسبب جهلهم وظلمهم . { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ } [ سبأ : 13 ] الذين يقرون بنعمة ربهم ، ويخضعون للّه ويحبونه ، ويصرفونها في طاعة مولاهم ورضاه . { ذَٰلِكُمُ } الذي فعل ما فعل { ٱللَّهُ رَبُّكُمْ } أي : المنفرد بالإلهية ، والمنفرد بالربوبية ، لأن انفراده بهذه النِّعَم ، من ربوبيته ، وإيجابها للشكر من ألوهيته ، { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } تقرير أنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له ، { خَـٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ } تقرير لربوبيته . ثم صرَّح بالأمر بعبادته فقال : { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } أي : كيف تصرفون عن عبادته ، وحده لا شريك له ، بعد ما أبان لكم الدليل وأنار لكم السبيل ؟ ! ! { كَذَلِكَ يُؤْفَكُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } أي : عقوبة على جحدهم لآيات الله ، وتعديهم على رسله ، صرفوا عن التوحيد والإخلاص ، كما قال تعالى : { وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ ٱنصَرَفُواْ صَرَفَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } [ التوبة : 127 ] . { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَـلَ لَكُـمُ ٱلأَرْضَ قَـرَاراً } أي : قارة ساكنة ، مهيأة لكل مصالحكم ، تتمكنون من حرثها وغرسها ، والبناء عليها ، والسفر ، والإقامة فيها . { وَٱلسَّمَآءَ بِنَـآءً } سقفاً للأرض التي أنتم فيها ، قد جعل الله فيها ما تنتفعون به من الأنوار والعلامات التي يُهتدى بها في ظلمات البر والبحر ، { وَصَوَّرَكُـمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُـمْ } فليس في جنس الحيوانات أحسن صورة من بني آدم ، كما قال تعالى : { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [ التين : 4 ] . وإذا أردت أن تعرف حسن الآدمي وكمال حكمة الله تعالى فيه ، فانظر إليه عضواً عضواً ، هل تجد عضواً من أعضائه يليق به ويصلح أن يكون في غير محله ؟ وانظر أيضاً ، إلى الميل الذي في القلوب بعضهم لبعض ، هل تجد ذلك في غير الآدمين ؟ وانظر إلى ما خصه الله به من العقل والإيمان ، والمحبة والمعرفة ، التي هي أحسن الأخلاق المناسبة لأجمل الصور . { وَرَزَقَكُـمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } وهذا شامل لكل طيب ، من مأكل ، ومشرب ، ومنكح ، وملبس ، ومنظر ، ومسمع ، وغير ذلك من الطيبات التي يسرها الله لعباده ، ويسر لهم أسبابها ، ومنعهم من الخبائث التي تضادها ، وتضر أبدانهم وقلوبهم وأديانهم ، { ذَلِكُمُ } الذي دبر الأمور وأنعم عليكم بهذه النعَم { ٱللَّهُ رَبُّكُـمْ } { فَتَـبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } أي : تعاظم ، وكثر خيره وإحسانه ، المربي جميع العالمين بنعمه . { هُوَ ٱلْحَيُّ } الذي له الحياة الكاملة التامة ، المستلزمة لما تستلزمه من صفاته الذاتية ، التي لا تتم حياته إلا بها ، كالسمع ، والبصر ، والقدرة ، والعلم ، والكلام ، وغير ذلك من صفات كماله ونعوت جلاله . { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أي : لا معبود بحق إلا وجهه الكريم . { فَـٱدْعُوهُ } وهذا شامل لدعاء العبادة ودعاء المسألة { مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } أي : اقصدوا بكل عبادة ودعاء وعمل وجه الله تعالى ، فإن الإخلاص هو المأمور به ، كما قال تعالى : { وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ } [ البينة : 5 ] . { ٱلْحَـمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أي : جميع المحامد والمدائح والثناء ، بالقول كنطق الخلق بذكره ، والفعل ، كعبادتهم له ، كل ذلك للّه تعالى وحده لا شريك له ، لكماله في أوصافه وأفعاله ، وتمام نعمه .