Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 19-24)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى عن أعدائه ، الذين بارزوه بالكفر به وبآياته ، وتكذيب رسله ومعاداتهم ومحاربتهم ، وحالهم الشنيعة حين يحشرون ، أي : يجمعون . { إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } [ أي ] : يرد أولهم على آخرهم ، ويتبع آخرهم أولهم ، ويساقون إليها سوقاً عنيفاً ، لا يستطيعون امتناعاً ، ولا ينصرون أنفسهم ولا هم ينصرون . { حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا } أي : حتى إذا وردوا على النار ، وأرادوا الإنكار ، أو أنكروا ما عملوه من المعاصي ، { شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم } عموم بعد خصوص . [ { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ] أي : شهد عليهم كل عضو من أعضائهم ، فكل عضو يقول : أنا فعلت كذا وكذا يوم كذا وكذا . وخص هذه الأعضاء الثلاثة ، لأن أكثر الذنوب إنما تقع بها أو بسببها . فإذا شهدت عليهم عاتبوها ، { وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ } هذا دليل على أنّ الشهادة تقع من كل عضو كما ذكرنا : { لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا } ونحن ندافع عنكن ؟ { قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ } فليس في إمكاننا الامتناع عن الشهادة حين أنطقنا الذي لا يستعصي عن مشيئته أحدٌ . { وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } فكما خلقكم بذواتكم وأجسامكم ، خلق أيضاً صفاتكم ، ومن ذلك الإنطاق . { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } في الآخرة ، فيجزيكم بما عملتم ، ويحتمل أن المراد بذلك ، الاستدلال على البعث بالخلق الأول ، كما هو طريقة القرآن . { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ } أي : وما كنتم تختفون عن شهادة أعضائكم عليكم ، ولا تحاذرون من ذلك . { وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ } بإقدامكم على المعاصي { أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ } فلذلك صدر منكم ما صدر ، وهذا الظن ، صار سبب هلاكهم وشقائهم ولهذا قال : { وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ } الظن السيِّئ حيث ظننتم به ما لا يليق بجلاله . { أَرْدَاكُمْ } أي : أهلككم ، { فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ ٱلُخَاسِرِينَ } لأنفسهم وأهليهم وأديانهم بسبب الأعمال التي أوجبها لكم ظنكم القبيح بربكم ، فحقت عليكم كلمة العقاب والشقاء ، ووجب عليكم الخلود الدائم في العذاب ، الذي لا يفتر عنهم ساعة : { فَإِن يَصْبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ } فلا جَلَدَ عليها ولا صبر ، وكل حالة قُدِّر إمكان الصبر عليها ، فالنار لا يمكن الصبر عليها ، وكيف الصبر على نار قد اشتد حرها ، وزادت على نار الدنيا بسبعين ضعفاً ، وعظم غليان حميمها ، وزاد نتن صديدها ، وتضاعف برد زمهريرها وعظمت سلاسلها وأغلالها ، وكبرت مقامعها ، وغلظ خُزَّانها ، وزال ما في قلوبهم من رحمتهم ، وختام ذلك سخط الجبار ، وقوله لهم حين يدعونه ويستغيثون : { ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [ المؤمنون : 108 ] . { وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ } أي : يطلبوا أن يزال عنهم العتب ويرجعوا إلى الدنيا ليستأنفوا العمل . { فَمَا هُم مِّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ } لأنه ذهب وقته ، وعمروا ما يعمر فيه من تذكر وجاءهم النذير وانقطعت حجتهم مع أن استعتابهم كذب منهم { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [ الأنعام : 28 ] .