Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 1-8)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى عباده أن هذا الكتاب الجليل والقرآن الجميل { تَنزِيلٌ } صادر { مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } الذي وسعت رحمته كل شيء ، الذي من أعظم رحمته وأجلّها إنزال هذا الكتاب ، الذي حصل به من العلم والهدى والنور والشفاء والرحمة والخير الكثير ، ما هو من أجلُّ نِعَمِهِ على العباد ، وهو الطريق للسعادة في الدارين . ثم أثنى على الكتاب بتمام البيان فقال : { فُصِّلَتْ آيَاتُهُ } أي : فصل كل شيء من أنواعه على حدته ، وهذا يستلزم البيان التام ، والتفريق بين كل شيء ، وتمييز الحقائق . { قُرْآناً عَرَبِيّاً } أي : باللغة الفصحى أكمل اللغات ، فُصِّلت آياته وجُعل عربياً . { لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } أي : لأجل أن يتبين لهم معناه ، كما تبين لفظه ، ويتضح لهم الهدى من الضلال ، والْغَيُّ من الرشاد . وأما الجاهلون الذين لا يزيدهم الهدى إلا ضلالاً ، ولا البيان إلا عَمىً فهؤلاء لم يُسَقِ الكلام لأجلهم ، { وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ } [ يس : 10 ] . { بَشِيراً وَنَذِيراً } أي : بشيراً بالثواب العاجل والآجل ، ونذيراً بالعقاب العاجل والآجل ، وذكر تفصيلهما ، وذكر الأسباب والأوصاف التي تحصل بها البشارة والنذارة ، وهذه الأوصاف للكتاب ، مما يوجب أن يُتَلقَّى بالقبول ، والإذعان والإيمان والعمل به ، ولكن أعرض أكثر الخلق عنه إعراض المستكبرين ، { فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } له سماع قبول وإجابة ، وإن كانوا قد سمعوه سماعاً تقوم عليهم به الحجة الشرعية . { وَقَالُواْ } أي : هؤلاء المعرضون عنه ، مبينين عدم انتفاعهم به ، بسد الأبواب الموصلة إليه : { قُلُوبُنَا فِيۤ أَكِنَّةٍ } أي : أغطية مغشاة { مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ } أي : صمم فلا نسمع لك { وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ } فلا نراك . القصد من ذلك ، أنهم أظهروا الإعراض عنه ، من كل وجه ، وأظهروا بغضه والرضا بما هم عليه ، ولهذا قالوا : { فَٱعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ } أي : كما رضيت بالعمل بدينك ، فإننا راضون كل الرضا بالعمل في ديننا ، وهذا من أعظم الخذلان ، حيث رضوا بالضلال عن الهدى ، واستبدلوا الكفر بالإيمان ، وباعوا الآخرة بالدنيا . { قُلْ } لهم يا أيها النبي : { إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ } أي : هذه صفتي ووظيفتي ، أني بشرٌ مثلكم ، ليس بيدي من الأمر شيء ، ولا عندي ما تستعجلون به ، وإنما فضلني اللّه عليكم وميَّزني وخصَّني بالوحي الذي أوحاه إليَّ وأمرني باتباعه ودعوتكم إليه . { فَٱسْتَقِيمُوۤاْ إِلَيْهِ } أي . اسلكوا الصراط الموصل إلى اللّه تعالى ، بتصديق الخبر الذي أخبر به ، واتباع الأمر واجتناب النهي ، هذه حقيقة الاستقامة ، ثم الدوام على ذلك ، وفي قوله : { إِلَيْهِ } تنبيه على الإخلاص ، وأن العامل ينبغي له أن يجعل مقصوده وغايته التي يعمل لأجلها ، الوصول إلى اللّه ، وإلى دار كرامته ، فبذلك يكون عمله خالصاً صالحاً نافعاً ، وبفواته يكون عمله باطلاً . ولما كان العبد ، - ولو حرص على الاستقامة - لا بد أن يحصل منه خلل بتقصير بمأمور ، أو ارتكاب منهي ، أمره بدواء ذلك بالاستغفار المتضمن للتوبة فقال : { وَٱسْتَغْفِرُوهُ } ثم توَّعد مَنْ ترك الاستقامة فقال : { وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ * ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } أي : الذين عبدوا من دونه مَنْ لا يملك نفعاً ولا ضراً ، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً ، ودنسوا أنفسهم ، فلم يزكوها بتوحيد ربهم والإخلاص له ، ولم يصلوا ولا زكوا ، فلا إخلاص للخالق بالتوحيد والصلاة ، ولا نفع للخلق بالزكاة وغيرها . { وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } أي : لا يؤمنون بالبعث ولا بالجنة والنار ، فلذلك لما زال الخوف من قلوبهم ، أقدموا على ما أقدموا عليه مما يضرهم في الآخرة . ولما ذكر الكافرين ذكر المؤمنين ، ووصفهم وجزاءهم ، فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بهذا الكتاب ، وما اشتمل عليه مما دعا إليه من الإيمان ، وصدقوا إيمانهم بالأعمال الصالحة الجامعة للإخلاص ، والمتابعة . { لَهُمْ أَجْرٌ } أي : عظيم { غَيْرُ مَمْنُونٍ } أي : غير مقطوع ولا نافد ، بل هو مستمر مدى الأوقات ، متزايد على الساعات ، مشتمل على جميع اللذات والمشتهيات .