Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 9-12)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ينكر تعالى ويعجِّب من كفر الكافرين به ، الذين جعلوا معه أنداداً يشركونهم معه ، ويبذلون لهم ما يشاؤون من عباداتهم ، ويسوونهم بالرب العظيم ، الملك الكريم ، الذي خلق الأرض الكثيفة العظيمة في يومين ، ثم دحاها في يومين ، بأن جعل فيها رواسي من فوقها ، ترسيها عن الزوال والتزلزل وعدم الاستقرار ، فكمل خلقها ، ودحاها ، وأخرج أقواتها ، وتوابع ذلك { فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ } عن ذلك ، فلا ينبئك مثل خبير ، فهذا الخبر الصادق الذي لا زيادة فيه ولا نقص . { ثُمَّ } بعد أن خلق الأرض { ٱسْتَوَىٰ } أي : قصد { إِلَى } خلق { ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ } قد ثار على وجه الماء ، { فَقَالَ لَهَا } ولما كان هذا التخصيص يوهم الاختصاص ، عطف عليه بقوله : { وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً } أي : انقادا لأمري طائعتين أو مكرهتين ، فلا بد من نفوذه . { قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } ليس لنا إرادة تخالف إرادتك . { فَقَضَٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ فِي يَوْمَيْنِ } فَتَمَّ خلق السماوات والأرض في ستة أيام أولها يوم الأحد وآخرها يوم الجمعة ، مع أن قدرة اللّه ومشيئته صالحة لخلق الجميع في لحظة واحدة ، ولكن مع أنه قدير ، فهو حكيم رفيق ، فمن حكمته ورفقه ، أن جعل خلقها في هذه المدة المقدرة . واعلم أن ظاهر هذه الآية ، مع قوله تعالى في النازعات ، لما ذكر خلق السماوات قال : { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } [ النازعات : 30 ] يظهر منهما التعارض ، مع أن كتاب اللّه لا تعارض فيه ولا اختلاف . والجواب عن ذلك ما قاله كثير من السلف ، أن خلق الأرض وصورتها متقدم على خلق السماوات كما هنا ، ودحي الأرض بأن { أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَٱلْجِبَالَ أَرْسَاهَا } [ النازعات : 31 - 32 ] متأخر عن خلق السماوات كما في سورة النازعات ، ولهذا قال فيها : { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا } [ النازعات : 30 - 31 ] إلى آخره ولم يقل : " والأرض بعد ذلك خلقها " . وقوله : { وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا } أي : الأمر والتدبير اللائق بها ، الذي اقتضته حكمة أحكم الحاكمين . { وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ } هي النجوم يستنار بها ويُهتدى ، وتكون زينة وجمالاً للسماء ظاهراً ، وجمالاً لها باطناً ، بجعلها رجوماً للشياطين ، لئلا يسترق السمع فيها . { ذَلِكَ } المذكور ، من الأرض وما فيها ، والسماء وما فيها { تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ } الذي عزته قهر بها الأشياء ودبرها ، وخلق بها المخلوقات . { ٱلْعَلِيمِ } الذي أحاط علمه بالمخلوقات الغائب والشاهد . فَتَرْكُ المشركين الإخلاص لهذا الرب العظيم الواحد القهار ، الذي انقادت المخلوقات لأمره ونفذ فيها قدره من أعجب الأشياء ، واتخاذهم له أنداداً يسوونهم به ، وهم ناقصون في أوصافهم وأفعالهم أعجب وأعجب ، ولا دواء لهؤلاء إن استمر إعراضهم ، إلا العقوبات الدنيوية والأخروية ، فلهذا خوفهم بقوله : { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ … } .