Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 42, Ayat: 10-12)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى : { وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ } من أصول دينكم وفروعه ، مما لم تتفقوا عليه { فَحُكْمُهُ إِلَى ٱللَّهِ } يرد إلى كتابه ، وإلى سُنّة رسوله ، فما حكما به فهو الحق ، وما خالف ذلك فباطل . { ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي } أي : فكما أنه تعالى الرب الخالق الرازق المدبر ، فهو تعالى الحاكم بين عباده بشرعه في جميع أمورهم . ومفهوم الآية الكريمة ، أن اتفاق الأمة حجة قاطعة ، لأن اللّه تعالى لم يأمرنا أن نرد إليه إلا ما اختلفنا فيه ، فما اتفقنا عليه ، يكفي اتفاق الأمة عليه ، لأنها معصومة عن الخطأ ، ولا بد أن يكون اتفاقها موافقاً لما في كتاب اللّه وسُنّة رسوله . وقوله : { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } أي : اعتمدت بقلبي عليه في جلب المنافع ودفع المضار ، واثقاً به تعالى في الإسعاف بذلك . { وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } أي : أتوجه بقلبي وبدني إليه ، وإلى طاعته وعبادته . وهذان الأصلان ، كثيراً ما يذكرهما اللّه في كتابه ، لأنهما يحصل بمجموعهما كمال العبد ، ويفوته الكمال بفوتهما أو فوت أحدهما ، كقوله تعالى : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [ الفاتحة : 5 ] وقوله : { فَٱعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } [ هود : 123 ] . { فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي : خالقهما بقدرته ومشيئته وحكمته . { جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً } لتسكنوا إليها ، وتنتشر منكم الذرية ، ويحصل لكم من النفع ما يحصل . { وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً } أي : ومن جميع أصنافها نوعين ، ذكراً وأُنثى ، لتبقى وتنمو لمنافعكم الكثيرة ، ولهذا عداها باللام الدالة على التعليل ، أي : جعل ذلك لأجلكم ، ولأجل النعمة عليكم ، ولهذا قال : { يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ } أي : يبثكم ويكثركم ويكثر مواشيكم ، بسبب أن جعل لكم من أنفسكم ، وجعل لكم من الأنعام أزواجاً . { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } أي : ليس يشبهه تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته ، لا في ذاته ، ولا في أسمائه ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله ، لأن أسماءه كلها حسنى ، وصفاته صفة كمال وعظمة ، وأفعاله تعالى أوجد بها المخلوقات العظيمة من غير مشارك ، فليس كمثله شيء ، لانفراده وتوحده بالكمال من كل وجه . { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ } لجميع الأصوات ، باختلاف اللغات ، على تفنن الحاجات . { ٱلْبَصِيرُ } يرى دبيب النملة السوداء ، في الليلة الظلماء ، على الصخرة الصماء ، ويرى سريان القوت في أعضاء الحيوانات الصغيرة جداً ، وسريان الماء في الأغصان الدقيقة . وهذه الآية ونحوها ، دليل لمذهب أهل السنة والجماعة ، من إثبات الصفات ، ونفي مماثلة المخلوقات . وفيها رد على المشبهة في قوله : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } وعلى المعطلة في قوله : { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } . وقوله : { لَهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي : له ملك السماوات والأرض ، وبيده مفاتيح الرحمة والأرزاق ، والنعم الظاهرة والباطنة . فكل الخلق مفتقرون إلى اللّه ، في جلب مصالحهم ، ودفع المضار عنهم ، في كل الأحوال ، ليس بيد أحد من الأمر شيء . واللّه تعالى هو المعطي المانع ، الضار النافع ، الذي ما بالعباد من نعمة إلاّ منه ، ولا يدفع الشر إلا هو ، و { مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ } [ فاطر : 2 ] . ولهذا قال هنا : { يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ } أي : يوسعه ويعطيه من أصناف الرزق ما شاء ، { وَيَقْدِرُ } أي : يضيق على مَنْ يشاء ، حتى يكون بقدر حاجته ، لا يزيد عنها ، وكل هذا تابع لعلمه وحكمته ، فلهذا قال : { إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } فيعلم أحوال عباده ، فيعطي كلاًّ ما يليق بحكمته وتقتضيه مشيئته .