Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 42, Ayat: 1-9)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى أنه أوحى هذا القرآن العظيم إلى النبي الكريم ، كما أوحى إلى مَنْ قبله من الأنبياء والمرسلين ، ففيه بيان فضله ، بإنزال الكتب ، وإرسال الرسل ، سابقاً ولاحقاً ، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم ليس ببدع من الرسل ، وأن طريقته طريقة مَنْ قبله ، وأحواله تناسب أحوال مَنْ قبله من المرسلين . وما جاء به يشابه ما جاؤوا به ، لأن الجميع حق وصدق ، وهو تنزيل من اتصف بالألوهية والعزة العظيمة والحكمة البالغة ، وأن جميع العالم العلوي والسفلي ملكه وتحت تدبيره القدري والشرعي . وأنه { ٱلْعَلِيُّ } بذاته ، وقدره ، وقهره . { ٱلعَظِيمُ } الذي من عظمته { تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ } على عظمها وكونها جماداً ، { وَٱلْمَلاَئِكَةُ } الكرام المقربون خاضعون لعظمته ، مستكينون لعزته ، مذعنون بربوبيته . { يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } ويعظمونه عن كل نقص ، ويصفونه بكل كمال ، { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي ٱلأَرْضِ } عمّا يصدر منهم ، مما لا يليق بعظمة ربهم وكبريائه ، مع أنه تعالى هو { ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } الذي لولا مغفرته ورحمته ، لعاجل الخلق بالعقوبة المستأصلة . وفي وصفه تعالى بهذه الأوصاف ، بعد أن ذكر أنه أوحى إلى الرسل كلهم عموماً ، وإلى محمد - صلى الله عليهم أجمعين - خصوصاً ، إشارة إلى أن هذا القرآن الكريم ، فيه من الأدلة والبراهين ، والآيات الدالة على كمال الباري تعالى ، ووصفه بهذه الأسماء العظيمة الموجبة لامتلاء القلوب من معرفته ومحبته وتعظيمه وإجلاله وإكرامه ، وصرف جميع أنواع العبودية الظاهرة والباطنة له تعالى ، وأن من أكبر الظلم وأفحش القول ، اتخاذ أنداد للّه من دونه ، ليس بيدهم نفع ولا ضرر ، بل هم مخلوقون مفتقرون إلى الله في جميع أحوالهم ، ولهذا عقبه بقوله : { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } يتولونهم بالعبادة والطاعة ، كما يعبدون الله ويطيعونه ، فإنما اتخذوا الباطل ، وليسوا بأولياء على الحقيقة . { ٱللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ } يحفظ عليهم أعمالهم ، فيجازيهم بخيرها وشرها . { وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } فتسأل عن أعمالهم ، وإنما أنت مبلغ أديت وظيفتك . ثم ذكر منته على رسوله وعلى الناس ، حيث أنزل الله { قُرْآناً عَرَبِيّاً } بين الألفاظ والمعاني { لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ } وهي مكة المكرمة { وَمَنْ حَوْلَهَا } من قرى العرب ، ثم يسري هذا الإنذار إلى سائر الخلق . { وَتُنذِرَ } الناس { يَوْمَ ٱلْجَمْعِ } الذي يجمع الله به الأولين والآخرين ، وتخبرهم أنه { لاَ رَيْبَ فِيهِ } وأن الخلق ينقسمون فيه فريقين { فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ } وهم الذين آمنوا بالله ، وصدقوا المرسلين ، { وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ } وهم أصناف الكفرة المكذبين . { وَ } مع هذا { لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ } لجعل الناس ، أي : جعل الناس { أُمَّةً وَاحِدَةً } على الهدى ، لأنه القادر الذي لا يمتنع عليه شيء ، ولكنه أراد أن يدخل في رحمته مَنْ شاء من خواص خلقه . وأما الظالمون الذين لا يصلحون لصالح ، فإنهم محرومون من الرحمة ، فـ { مَا لَهُمْ } من دون الله { مِّن وَلِيٍّ } يتولاهم ، فيحصل لهم المحبوب { وَلاَ نَصِيرٍ } يدفع عنهم المكروه . والذين { ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } يتولونهم بعبادتهم إياهم ، فقد غلطوا أقبح غلط . فالله هو الولي الذي يتولاه عبده بعبادته وطاعته ، والتقرب إليه بما أمكن من أنواع التقربات ، ويتولى عباده عموماً بتدبيره ونفوذ القدر فيهم ، ويتولى عباده المؤمنين خصوصاً ، بإخراجهم من الظلمات إلى النور ، وتربيتهم بلطفه ، وإعانتهم في جميع أمورهم . { وَهُوَ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي : هو المتصرف بالإحياء والإماتة ، ونفوذ المشيئة والقدرة ، فهو الذي يستحق أن يعبد وحده لا شريك له .