Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 44, Ayat: 17-33)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ } إلى آخر القصة لما ذكر تعالى تكذيب من كذب الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم ، ذكر أن لهم سلفاً من المكذبين ، فذكر قصتهم مع موسى ، وما أحل الله بهم ، ليرتدع هؤلاء المكذبون عن ما هم عليه فقال : { وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ } أي : ابتليناهم واختبرناهم بإرسال رسولنا موسى بن عمران إليهم ، الرسول الكريم ، الذي فيه من الكرم ومكارم الأخلاق ما ليس في غيره ، { أَنْ أَدُّوۤاْ إِلَيَّ عِبَادَ ٱللَّهِ } أي : قال لفرعون وملئه : أدوا إليَّ عباد الله ، يعني بهم : بني إسرائيل ، أي : أرسلوهم ، وأطلقوهم من عذابكم وسومكم إياهم سوء العذاب ، فإنهم عشيرتي وأفضل العالمين في زمانهم . وأنتم قد ظلمتموهم ، واستعبدتموهم بغير حق ، فأرسلوهم ليعبدوا ربهم ، { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } أي : رسول من رب العالمين ، أمين على ما أرسلني به ، لا أكتمكم منه شيئاً ، ولا أزيد فيه ولا أنقص ، وهذا يوجب تمام الانقياد له . { وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى ٱللَّهِ } بالاستكبار عن عبادته والعلو على عباد الله ، { إِنِّيۤ آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } أي : بحجة بينة ظاهرة ، وهو ما أتى به من المعجزات الباهرات ، والأدلة القاهرات ، فكذبوه وهموا بقتله ، فلجأ بالله من شرهم ، فقال : { وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ } أي : تقتلوني أشر القتلات ، بالرجم بالحجارة . { وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِي فَٱعْتَزِلُونِ } أي : لكم ثلاث مراتب : الإيمان بي ، وهو مقصودي منكم ، فإن لم تحصل منكم هذه المرتبة ، فاعتزلوني لا عليَّ ولا لي ، فاكفوني شركم ، فلم تحصل منهم المرتبة الأولى ولا الثانية ، بل لم يزالوا متمردين عاتين على الله ، محاربين لنبيه موسى عليه السلام ، غير ممكنين له من قومه بني إسرائيل . { فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ } أي : قد أجرموا جرماً ، يوجب تعجيل العقوبة . فأخبر عليه السلام بحالهم ، وهذا دعاء بالحال ، التي هي أبلغ من المقال ، كما قال عن نفسه عليه السلام { رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } [ القصص : 24 ] فأمره الله أن يسري بعباده ليلاً ، وأخبره أن فرعون وقومه سيتبعونه ، { وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً } أي : بحاله وذلك أنه لما سرى موسى ببني إسرائيل كما أمره الله ، ثم تبعهم فرعون ، فأمر الله موسى أن يضرب البحر ، فضربه فصار اثنى عشر طريقاً ، وصار الماء من بين تلك الطرق كالجبال العظيمة ، فسلكه موسى وقومه . فلما خرجوا منه ، أمره الله أن يتركه رهواً ، أي : بحاله ليسلكه فرعون وجنوده { إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ } فلما تكامل قوم موسى خارجين منه ، وقوم فرعون داخلين فيه ، أمره الله تعالى أن يلتطم عليهم ، فغرقوا عن آخرهم ، وتركوا ما متعوا به من الحياة الدنيا ، وأورثه الله بني إسرائيل ، الذين كانوا مستعبدين لهم ، ولهذا قال : { كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا } أي : هذه النعمة المذكورة { قَوْماً آخَرِينَ } وفي الآية الأخرى : { كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } [ الشعراء : 59 ] . { فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ } أي : لما أتلفهم الله وأهلكهم ، لم تبك عليهم السماء والأرض ، أي : لم يُحزن عليهم ، ولم يُؤْسَ على فراقهم ، بل كل استبشر بهلاكهم وتلفهم ، حتى السماء والأرض ، لأنهم ما خلفوا من آثارهم إلا ما يسود وجوههم ، ويوجب عليهم اللعنة والمقت من العالمين . { وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ } أي : ممهلين عن العقوبة ، بل اصطلمتهم في الحال ثم امتنَّ تعالى على بني إسرائيل ، فقال { وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مِنَ ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ } الذي كانوا فيه { مِن فِرْعَوْنَ } إذ يذبِّح أبناءهم ، ويستحيي نساءهم . { إِنَّهُ كَانَ عَالِياً } أي مستكبراً في الأرض بغير الحق ، { مِّنَ ٱلْمُسْرِفِينَ } المتجاوزين لحدود الله ، المتجرئين على محارمه . { وَلَقَدِ ٱخْتَرْنَاهُمْ } أي : اصطفيناهم وانتقيناهم { عَلَىٰ عِلْمٍ } منا بهم ، وباستحقاقهم لذلك الفضل { عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } أي : عالمي زمانهم ومن قبلهم وبعدهم حتى أتى الله بأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فَفَضَلوا العالمين كلهم ، وجَعَلَهم الله خير أمة أخرجت للناس ، وامتنّ عليهم بما لم يمتن به على غيرهم . { وَآتَيْنَاهُم } أي : بني إسرائيل { مِّنَ ٱلآيَاتِ } الباهرة ، والمعجزات الظاهرة ، { مَا فِيهِ بَلاَءٌ مُّبِينٌ } أي : إحسان كثير ، ظاهر منا عليهم ، وحجة عليهم ، على صحة ما جاءهم به نبيهم موسى عليه السلام .