Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 45, Ayat: 27-37)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى عن سعة ملكه ، وانفراده بالتصرف والتدبير في جميع الأوقات ، وأنه { يَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاَعةُ } ويجمع الخلائق لموقف القيامة ، يحصل الخسار على المبطلين ، الذين أتوا بالباطل ليدحضوا به الحق ، وكانت أعمالهم باطلة ، لأنها متعلقه بالباطل ، فبطلت في يوم القيامة ، اليوم الذي تستبين به الحقائق ، واضمحلت عنهم ، وفاتهم الثواب ، وحصلوا على أليم العقاب . ثم وصف تعالى شدة يوم القيامة وهوله ليحذره العِبَاد ، ويستعد له العُبّاد ، فقال : { وَتَرَىٰ } أيها الرائي لذلك اليوم { كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً } على ركبها خوفاً وذعراً ، وانتظاراً لحكم الملك الرحمن . { كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا } أي : إلى شريعة نبيهم الذي جاءهم من عند الله ، وهل قاموا بها فيحصل لهم الثواب والنجاة ؟ أم ضيعوها فيحصل لهم الخسران ؟ فأمة موسى يدعون إلى شريعة موسى ، وأمة عيسى كذلك ، وأمة محمد كذلك ، وهكذا غيرهم كل أمة تدعى إلى شرعها الذي كلفت به ، هذا أحد الاحتمالات في الآية ، وهو معنى صحيح في نفسه ، غير مشكوك فيه ، ويحتمل أن المراد بقوله : { كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا } أي : إلى كتاب أعمالها ، وما سطر عليها من خير وشر ، وأن كل أحد يجازى بما عمله بنفسه ، كقوله تعالى : { مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا } [ فصلت : 46 ] . ويحتمل أن المعنيين كليهما مراد من الآية ، ويدل على هذا قوله : { هَـٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِٱلْحَقِّ } أي : هذا كتابنا الذي أنزلنا عليكم ، يفصل بينكم بالحق الذي هو العدل ، { إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } فهذا كتاب الأعمال ، ولهذا فصل ما يفعل الله بالفريقين فقال : { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } إيماناً صحيحاً ، وصدقوا إيمانهم بالأعمال الصالحة ، من واجبات ومستحبات ، { فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ } التي محلها الجنة ، وما فيها من النعيم المقيم ، والعيش السليم ، { ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ } أي : المفاز والنجاة والربح ، والفلاح الواضح البيِّن ، الذي إذا حصل للعبد ، حصل له كل خير ، واندفع عنه كل شر . { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } بالله ، فيقال لهم توبيخاً وتقريعاً : { أَفَلَمْ تَكُنْ ءَايَٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } وقد دلتكم على ما فيه صلاحكم ، ونهتكم عما فيه ضرركم ، وهي أكبر نعمة وصلت إليكم ، لو وفقتم لها ، ولكن استكبرتم عنها ، وأعرضتم ، وكفرتم بها ، فجنيتم أكبر جناية ، وأجرمتم أشد الجرم ، فاليوم تجزون ما كنتم تعملون ، ويوبخون أيضاً بقوله : { وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱلسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم } منكرين لذلك : { مَّا نَدْرِي مَا ٱلسَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ } . فهذه حالهم في الدنيا ، وحال البعث الإنكار له ، وردّ قول من جاء به . قال تعالى : { وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ } أي : وظهر لهم يوم القيامة عقوبات أعمالهم ، { وَحَاقَ بِهِم } أي : نزل { مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } أي : نزل بهم العذاب الذي كانوا في الدنيا يستهزؤون به وبوقوعه وبمن جاء به . { وَقِيلَ ٱلْيَوْمَ نَنسَاكُمْ } أي : نترككم في العذاب { كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا } فإن الجزاء من جنس العمل ، { وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ } أي : هي مقركم ومصيركم ، { وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } ينصرونكم من عذاب الله ، ويدفعون عنكم عقابه . { ذَلِكُم } الذي حصل لكم من العذاب { بِـ } سبب { أَنَّكُمُ ٱتَّخَذْتُمْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ هُزُواً } مع أنها موجبة للجد والاجتهاد ، وتلقيها بالسرور والاستبشار والفرح . { وَغَرَّتْكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا } بزخارفها ولذاتها وشهواتها ، فاطمأننتم إليها ، وعملتم لها ، وتركتم العمل للدار الباقية . { فَٱلْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ } أي : ولا يمهلون ، ولا يردون إلى الدنيا ليعملوا صالحاً . { فَلِلَّهِ ٱلْحَمْدُ } كما ينبغي لجلاله ، وعظيم سلطانه { رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَرَبِّ ٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أي : له الحمد على ربوبيته لسائر الخلائق ، حيث خلقهم ورباهم ، وأنعم عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة ، { وَلَهُ ٱلْكِبْرِيَآءُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } أي : له الجلال والعظمة والمجد . فالحمد فيه الثناء على الله بصفات الكمال ، ومحبته تعالى وإكرامه ، والكبرياء فيها عظمته وجلاله ، والعبادة مبنية على ركنين ، محبة الله ، والذل له ، وهما ناشئان عن العلم بمحامد الله وجلاله وكبريائه . { وَهُوَ ٱلْعِزِيزُ } القاهر لكل شيء ، { ٱلْحَكِيمُ } الذي يضع الأشياء مواضعها ، فلا يشرع ما يشرعه إلا لحكمة ومصلحة ، ولا يخلق ما يخلقه إلا لفائدة ومنفعة .