Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 15-16)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا من لطفه تعالى بعباده وشكره للوالدين ، أن وصَّى الأولاد وعهد إليهم أن يحسنوا إلى والديهم بالقول اللطيف ، والكلام اللين ، وبذل المال والنفقة ، وغير ذلك من وجوه الإحسان . ثم نبَّه على ذكر السبب الموجب لذلك ، فذكر ما تحملته الأم من ولدها وما قاسته من المكاره وقت حملها ، ثم مشقة ولادتها المشقة الكبيرة ، ثم مشقة الرضاع وخدمة الحضانة ، وليست المذكورات مدة يسيرة ، ساعة أو ساعتين ، وإنما ذلك مدة طويلة قدرها { ثَلٰثُونَ شَهْراً } للحمل تسعة أشهر ونحوها ، والباقي للرضاع ، هذا هو الغالب . ويستدل بهذه الآية مع قوله : { وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } [ البقرة : 233 ] أن أقل مدة الحمل ستة أشهر ، لأن مدة الرضاع - وهي سنتان - إذا سقطت من الثلاثين شهراً ، بقي ستة أشهر ، مدة للحمل { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ } أي : نهاية قوته وشبابه ، وكمال عقله ، { وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ } أي : ألهمني ووفقني { أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ } أي : نعم الدين ، ونعم الدنيا ، وشكره بصرف النعم في طاعة مسديها وموليها ، ومقابلته مِنَّتَهُ ، بالاعتراف والعجز عن الشكر ، والاجتهاد في الثناء بها على الله ، والنعم على الوالدين ، نِعَم على أولادهم وذريتهم ، لأنهم لا بدَّ أن ينالهم منها ومن أسبابها وآثارها ، خصوصاً نِعَم الدين ، فإن صلاح الوالدين بالعلم والعمل ، من أعظم الأسباب لصلاح أولادهم . { وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحاً تَرْضَٰهُ } بأن يكون جامعاً لما يصلحه ، سالماً مما يفسده ، فهذا العمل الذي يرضاه الله ويقبله ، ويثيب عليه . { وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيْۤ } لما دعا لنفسه بالصلاح ، دعا لذريته أن يصلح الله أحوالهم ، وذكر أن صلاحهم يعود نفعه على والديهم لقوله : { وَأَصْلِحْ لِي } . { إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ } من الذنوب والمعاصي ، ورجعت إلى طاعتك { وَإِنِّي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } . { أُوْلَـٰئِكَ } الذين ذكرت أوصافهم { ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ } وهو الطاعات ، لأنهم يعملون أيضاً غيرها . { وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ } فِي جملة { أَصْحَابِ ٱلْجَنَّةِ } فحصل لهم الخير والمحبوب ، وزال عنهم الشر والمكروه . { وَعْدَ ٱلصِّدْقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ } أي : هذا الوعد الذي وعدناهم هو وعد صادقٌ من أصدق القائلين ، الذي لا يخلف الميعاد .