Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 1-3)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا ثناء منه تعالى على كتابه العزيز وتعظيم له ، وفي ضمن ذلك إرشاد العباد إلى الاهتداء بنوره ، والإقبال على تدبر آياته ، واستخراج كنوزه . ولما بين إنزال كتابه المتضمن للأمر والنهي ، ذكر خلقه السماوات والأرض ، فجمع بين الخلق والأمر ، { أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ } [ الأعراف : 54 ] كما قال تعالى : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ ٱلأَمْرُ بَيْنَهُنَّ } [ الطلاق : 12 ] وكما قال تعالى : { يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوۤاْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱتَّقُونِ * خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } [ النحل : 2 - 3 ] فالله تعالى هو الذي خلق المكلفين ، وخلق مساكنهم ، وسخر لهم ما في السماوات وما في الأرض ، ثم أرسل إليهم رسله ، وأنزل عليهم كتبه ، وأمرهم ونهاهم ، وأخبرهم أن هذه الدار دار أعمال وممر للعمال ، لا دار إقامة لا يرحل عنها أهلها ، وأنهم سينتقلون منها إلى دار الإقامة والقرار ، وموطن الخلود والدوام ، وإنما أعمالهم التي عملوها في هذه الدار ، سيجدون ثوابها في تلك الدار كاملاً موفراً . وأقام تعالى الأدلة على تلك الدار ، وأذاق العباد نموذجاً من الثواب والعقاب العاجل ، ليكون أدعى لهم إلى طلب المحبوب ، والهرب من المرهوب ، ولهذا قال هنا : { مَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } أي : لا عبثاً ولا سدىً ، بل ليعرف العباد عظمة خالقهما ، ويستدلوا على كماله ، ويعلموا أن الذي خلقهما على عظمهما ، قادر على أن يعيد العباد بعد موتهم للجزاء ، وأن خلقهما وبقاءهما مقدر إلى { أَجَلٍ مُّسَمًّى } . فلما أخبر بذلك - وهو أصدق القائلين وأقام الدليل ، وأنار السبيل أخبر - مع ذلك - أن طائفة من الخلق قد أبوا إلا إعراضاً عن الحق ، وصدوفاً عن دعوة الرسل ، فقال : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ } وأما الذين آمنوا ، فلما علموا حقيقة الحال قبلوا وصايا ربهم ، وتلقوها بالقبول والتسليم ، وقابلوها بالانقياد والتعظيم ، ففازوا بكل خير ، واندفع عنهم كل شر .