Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 106-108)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى خبراً متضمناً للأمر بإشهاد اثنين على الوصية ، إذا حضر الإنسان مقدماتُ الموت وعلائمه . فينبغي له أن يكتب وصيته ، ويشهد عليها اثنين ذوي عدل ممن تعتبر شهادتهما . { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } أي : من غير أهل دينكم ، من اليهود أو النصارى أو غيرهم ، وذلك عند الحاجة والضرورة وعدم غيرهما من المسلمين . { إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ } أي : سافرتم فيها { فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ ٱلْمَوْتِ } أي : فأشهدوهما ، ولم يأمر بشهادتهما إلا لأن قولهما في تلك الحال مقبول ، ويؤكد عليهما ، بأن يحبسا { مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ } التي يعظمونها . { فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ } أنهما صدقا ، وما غيرا ولا بدّلا هذا { إِنِ ٱرْتَبْتُمْ } في شهادتهما ، فإن صدقتموهما ، فلا حاجة إلى القسم بذلك . ويقولان : { لاَ نَشْتَرِي بِهِ } أي : بأيماننا { ثَمَناً } بأن نكذب فيها ، لأجل عرض من الدنيا . { وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ } فلا نراعيه لأجل قربه منا { وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللَّهِ } بل نؤديها على ما سمعناها { إِنَّآ إِذَاً } أي : إن كتمناها { لَّمِنَ ٱلآَثِمِينَ } . { فَإِنْ عُثِرَ عَلَىٰ أَنَّهُمَا } أي : الشاهدين { ٱسْتَحَقَّآ إِثْماً } بأن وجد من القرائن ما يدل على كذبهما وأنهما خانا { فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلأَوْلَيَانِ } . أي : فليقم رجلان من أولياء الميت ، وليكونا من أقرب الأولياء إليه . { فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا } أي : أنهما كذبا ، وغيرا وخانا . { وَمَا ٱعْتَدَيْنَآ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } أي : إن ظلمنا واعتدينا ، وشهدنا بغير الحق . قال الله تعالى في بيان حكمة تلك الشهادة وتأكيدها ، وردها على أولياء الميت حين تظهر من الشاهدين الخيانة : { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ } أي : أقرب { أَن يَأْتُواْ بِٱلشَّهَادَةِ عَلَىٰ وَجْهِهَآ } حين تؤكد عليهما تلك التأكيدات . { أَوْ يَخَافُوۤاْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ } أي : أن لا تقبل أيمانهم ، ثم ترد على أولياء الميت . { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } أي : الذين وصْفُهم الفسق ، فلا يريدون الهدى والقصد إلى الصراط المستقيم . وحاصل هذا ، أن الميت - إذا حضره الموت في سفر ونحوه ، مما هو مظنة قلة الشهود المعتبرين - أنه ينبغي أن يوصي شاهدين مسلمين عدلين . فإن لم يجد إلا شاهدين كافرين ، جاز أن يوصي إليهما ، ولكن لأجل كفرهما فإن الأولياء إذا ارتابوا بهما فإنهم يحلفونهما بعد الصلاة ، أنهما ما خانا ، ولا كذبا ، ولا غيّرا ، ولا بدّلا ، فيبرآن بذلك من حق يتوجه إليهما . فإن لم يصدقوهما ووجدوا قرينة تدل على كذب الشاهدين ، فإن شاء أولياء الميت ، فليقم منهم اثنان ، فيقسمان بالله : لشهادتهما أحق من شهادة الشاهدين الأولين ، وأنهما خانا وكذبا ، فيستحقون منهما ما يدعون . وهذه الآيات الكريمة نزلت في قصة " تميم الداري " و " عدي بن بداء " المشهورة حين أوصى لهما العدوي ، والله أعلم . ويستدل بالآيات الكريمات على عدة أحكام : منها : أن الوصية مشروعة ، وأنه ينبغي لمن حضره الموت أن يوصي . ومنها : أنها معتبرة ، ولو كان الإنسان وصل إلى مقدمات الموت وعلاماته ، ما دام عقله ثابتاً . ومنها : أن شهادة الوصية لا بد فيها من اثنين عدلين . ومنها : أن شهادة الكافرين في هذه الوصية ونحوها مقبولة لوجود الضرورة ، وهذا مذهب الإمام أحمد . وزعم كثير من أهل العلم : أن هذا الحكم منسوخ ، وهذه دعوى لا دليل عليها . ومنها : أنه ربما استفيد من تلميح الحكم ومعناه ، أن شهادة الكفار - عند عدم غيرهم ، حتى في غير هذه المسألة - مقبولة ، كما ذهب إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية . ومنها : جواز سفر المسلم مع الكافر إذا لم يكن محذور . ومنها : جواز السفر للتجارة . ومنها : أن الشاهدين - إذا ارتيب منهما ، ولم تبد قرينة تدل على خيانتهما ، وأراد الأولياء - أن يؤكدوا عليهم اليمين ، ويحبسوهما من بعد الصلاة ، فيقسمان بصفة ما ذكر الله تعالى . ومنها : أنه إذا لم تحصل تهمة ولا ريب لم يكن حاجة إلى حبسهما ، وتأكيد اليمين عليهما . ومنها : تعظيم أمر الشهادة حيث أضافها تعالى إلى نفسه ، وأنه يجب الاعتناء بها والقيام بها بالقسط . ومنها : أنه يجوز امتحان الشاهدين عند الريبة منهما ، وتفريقهما لينظر عن شهادتهما . ومنها : أنه إذا وجدت القرائن الدالة على كذب الوصيين في هذه المسألة - قام اثنان من أولياء الميت فأقسما بالله : أن أيماننا أصدق من أيمانهما ، ولقد خانا وكذبا . ثم يدفع إليهما ما ادعياه ، فتكون القرينة - مع أيمانهما - قائمة مقام البينة .