Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 64-66)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى عن مقالة اليهود الشنيعة ، وعقيدتهم الفظيعة ، فقال : { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ } أي : عن الخير والإحسان والبر . { غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ } وهذا دعاء عليهم بجنس مقالتهم . فإن كلامهم متضمن لوصف الله الكريم ، بالبخل وعدم الإحسان . فجازاهم بأن كان هذا الوصف منطبقاً عليهم . فكانوا أبخل الناس وأقلهم إحساناً ، وأسوأهم ظناً بالله ، وأبعدهم الله عن رحمته التي وسعت كل شيء ، وملأت أقطار العالم العلوي والسفلي . ولهذا قال : { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ } لا حجر عليه ، ولا مانع يمنعه مما أراد ، فإنه تعالى قد بسط فضله وإحسانه الديني والدنيوي ، وأمر العباد أن يتعرضوا لنفحات جوده ، وأن لا يسدوا على أنفسهم أبواب إحسانه بمعاصيهم . فيداه سحاء الليل والنهار ، وخيره في جميع الأوقات مدرار ، يفرج كرباً ، ويزيل غماً ، ويغني فقيراً ، ويفك أسيراً ويجبر كسيراً ، ويجيب سائلاً ويعطي فقيراً عائلاً ، ويجيب المضطرين ، ويستجيب للسائلين . وينعم على مَنْ لم يسأله ، ويعافي من طلب العافية ، ولا يحرم من خيره عاصياً ، بل خيره يرتع فيه البر والفاجر ، ويجود على أوليائه بالتوفيق لصالح الأعمال ثم يحمدهم عليها ، ويضيفها إليهم ، وهي من جوده ويثيبهم عليها من الثواب العاجل والآجل ما لا يدركه الوصف ، ولا يخطر على بال العبد ، ويلطف بهم في جميع أمورهم ، ويوصل إليهم من الإحسان ، ويدفع عنهم من النقم ما لا يشعرون بكثير منه ، فسبحان من كل النعم التي بالعباد فمنه ، وإليه يجأرون في دفع المكاره ، وتبارك مَنْ لا يحصي أحد ثناء عليه ، بل هو كما أثنى على نفسه ، وتعالى مَنْ لا يخلو العباد من كرمه طرفة عين ، بل لا وجود لهم ولا بقاء إلا بجوده . وقبّح الله مَنْ استغنى بجهله عن ربه ، ونسبه إلى ما لا يليق بجلاله ، بل لو عامل الله اليهود القائلين تلك المقالة ، ونحوهم ممن حاله كحالهم ببعض قولهم ، لهلكوا ، وشقوا في دنياهم ، ولكنهم يقولون تلك الأقوال ، وهو تعالى يحلم عنهم ، ويصفح ، ويمهلهم ولا يهملهم . وقوله { وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً } وهذا أعظم العقوبات على العبد ، أن يكون الذكر الذي أنزله الله على رسوله ، الذي فيه حياة القلب والروح ، وسعادة الدنيا والآخرة ، وفلاح الدارين الذي هو أكبر منة امتن الله بها على عباده ، توجب عليهم المبادرة إلى قبولها ، والاستسلام لله بها ، وشكراً لله عليها ، أن تكون لمثل هذا زيادة غي إلى غيه ، وطغيان إلى طغيانه ، وكفر إلى كفره ، وذلك بسبب إعراضه عنها ، ورده لها ، ومعاندته إياها ، ومعارضته لها بالشبه الباطلة . { وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } فلا يتآلفون ، ولا يتناصرون ، ولا يتفقون على حالة فيها مصلحتهم ، بل لم يزالوا متباغضين في قلوبهم ، متعادين بأفعالهم ، إلى يوم القيامة { كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ } ليكيدوا بها الإسلام وأهله ، وأبدوا وأعادوا ، وأجلبوا بخيلهم ورجلهم { أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ } بخذلانهم وتفرق جنودهم ، وانتصار المسلمين عليهم . { وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً } أي : يجتهدون ويجدون ، ولكن بالفساد في الأرض ، بعمل المعاصي ، والدعوة إلى دينهم الباطل ، والتعويق عن الدخول في الإسلام { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ } بل يبغضهم أشد البغض ، وسيجازيهم على ذلك [ ثم قال تعالى ] . { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَٰهُمْ جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ } وهذا من كرمه وجوده ، حيث ذكر قبائح أهل الكتاب ومعايبهم وأقوالهم الباطلة ، دعاهم إلى التوبة ، وأنهم لو آمنوا بالله وملائكته ، وجميع كتبه ، وجميع رسله ، واتقوا المعاصي ، لكفَّر عنهم سيئاتهم ولو كانت ما كانت ، ولأدخلهم جنات النعيم التي فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين . { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ } أي : قاموا بأوامرهما ونواهيهما ، كما ندبهم الله وحثهم . ومن إقامتهما الإيمان بما دعيا إليه ، من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن ، فلو قاموا بهذه النعمة العظيمة التي أنزلها ربهم إليهم ، أي : لأجلهم وللاعتناء بهم { لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم } أي : لأدرَّ الله عليهم الرزق ، ولأمطر عليهم السماء ، وأنبت لهم الأرض كما قال تعالى : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَٰتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } [ الأعراف : 96 ] . { مِّنْهُمْ } أي : من أهل الكتاب { أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ } أي : عاملة بالتوراة والإنجيل ، عملاً غير قوي ولا نشيط ، { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ } أي : والمسيء منهم الكثير . وأما السابقون منهم فقليل ما هم .