Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 50, Ayat: 30-35)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى مخوفاً لعباده : { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ } وذلك من كثرة ما ألقي فيها ، { وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } أي : لا تزال تطلب الزيادة من المجرمين العاصين ، غضباً لربها ، وغيظاً على الكافرين . وقد وعدها الله ملأها ، كما قال تعالى : { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [ هود : 119 ] حتى يضع رب العزة عليها قدمه الكريمة المنزهة عن التشبيه ، فينزوي بعضها على بعض ، وتقول : قط قط ، قد اكتفيت وامتلأت . { وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ } أي : قربت بحيث تشاهد وينظر ما فيها ، من النعيم المقيم ، والحبرة والسرور ، وإنما أزلفت وقربت ، لأجل المتقين لربهم ، التاركين للشرك ، صغيره وكبيره ، الممتثلين لأوامر ربهم ، المنقادين له ، ويقال لهم على وجه التهنئة : { هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ } أي : هذه الجنة وما فيها مما تشتهيه الأنفس ، وتلذ الأعين ، هي التي وعد الله كل أواب أي : رجَّاع إلى الله في جميع الأوقات ، بذكره وحبه ، والاستعانة به ، ودعائه وخوفه ورجائه . { حَفِيظٍ } أي : يحافظ على ما أمر الله به ، بامتثاله على وجه الإخلاص والإكمال له ، على أكمل الوجوه ، حفيظ لحدوده . { مَّنْ خَشِيَ ٱلرَّحْمَـٰنَ } أي : خافه على وجه المعرفة بربه ، والرجاء لرحمته ، ولازم على خشية الله في حال غيبه أي : مغيبه عن أعين الناس ، وهذه هي الخشية الحقيقية ، وأما خشيته في حال نظر الناس وحضورهم ، فقد تكون رياء وسمعة ، فلا تدل على الخشية ، وإنما الخشية النافعة ، خشية الله في الغيب والشهادة ويحتمل أن المراد بخشية الله بالغيب كالمراد بالإيمان بالغيب ، وأن هذا مقابلٌ للشهادة حيث يكون الإيمان والخشية ضرورياً لا اختيارياً ، حيث يعاين العذاب وتأتي آيات الله وهذا هو الظاهر . { وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ } أي : وصفه الإنابة إلى مولاه ، وانجذاب دواعيه إلى مراضيه ، ويقال لهؤلاء الأتقياء الأبرار : { ٱدْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ } أي : دخولاً مقروناً بالسلامة من الآفات والشرور ، مأموناً فيه جميع مكاره الأمور ، فلا انقطاع لنعيمهم ولا كدر ولا تنغيص ، { ذَلِكَ يَوْمُ ٱلُخُلُودِ } الذي لا زوال له ولا موت ، ولا شيء من المكدرات . { لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا } أي : كل ما تعلقت به مشيئتهم فهو حاصل فيها ولهم فوق ذلك { مَزِيدٌ } أي : ثواب يمدهم به الرحمن الرحيم ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، وأعظم ذلك وأجلُّه وأفضله ، النظر إلى وجه الله الكريم ، والتمتع بسماع كلامه ، والتنعم بقربه ، نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم .