Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 50, Ayat: 6-11)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر تعالى حالة المكذبين وما ذمهم به ، دعاهم إلى النظر في آياته الأفقية ، كي يعتبروا ، ويستدلوا بها على ما جعلت أدلة عليه فقال : { أَفَلَمْ يَنظُرُوۤاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوْقَهُمْ } أي : لا يحتاج ذلك النظر إلى كلفة وشد رحل ، بل هو في غاية السهولة ، فينظرون { كَيْفَ بَنَيْنَاهَا } قبة مستوية الأرجاء ، ثابتة البناء ، مزينة بالنجوم الخنس ، والجوار الكنس ، التي ضربت من الأفق إلى الأفق في غاية الحسن والملاحة ، لا ترى فيها عيباً ، ولا فروجاً ، ولا خلالاً ، ولا إخلالاً . قد جعلها الله سقفاً لأهل الأرض ، وأودع فيها من مصالحهم الضرورية ما أودع . { وَ } إلى { ٱلأَرْضَ } كيف { مَدَدْنَاهَا } ووسعناها ، حتى أمكن كل حيوان السكون فيها والاستقرار ، والاستعداد لجميع مصالحه ، وأرساها بالجبال ، لتستقر من التزلزل والتموج ، { وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } أي : من كل صنف من أصناف النبات التي تسر ناظرها ، وتعجب مبصرها ، وتقر عين رامقها ، لأكل بني آدم ، وأكل بهائمهم ومنافعهم ، وخص من تلك المنافع بالذكر ، الجنات المشتملة على الفواكه اللذيذة ، من العنب والرمان والأترج والتفاح ، وغير ذلك من أصناف الفواكه ، ومن النخيل الباسقات أي : الطوال ، التي يطول نفعها وترتفع إلى السماء ، حتى تبلغ مبلغاً لا يبلغه كثير من الأشجار ، فتخرج من الطلع النضيد ، في قنوانها ما هو رزق للعباد قوتاً وأدماً وفاكهة ، يأكلون منه ويدخرون ، هم ومواشيهم وكذلك ما يخرج الله بالمطر ، وما هو أثره من الأنهار التي على وجه الأرض ، والتي تحتها من حب الحصيد ، أي : من الزرع المحصود ، من بُرٍّ وشعير ، وذرة ، وأرز ، ودخن وغيره . فإن في النظر في هذه الأشياء { تَبْصِرَةً } يتبصر بها من عمى الجهل ، { وَذِكْرَىٰ } يتذكر بها ، ما ينفع في الدين والدنيا ، ويتذكر بها ما أخبر الله به ، وأخبرت به رسله ، وليس ذلك لكل أحد ، بل { لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } إلى الله أي : مقبل عليه بالحب والخوف والرجاء ، وإجابة داعيه ، وأما المكذب أو المعرض ، فما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون . وحاصل هذا ، أن ما فيها من الخلق الباهر ، والشدة والقوة ، دليل على كمال قدرة الله تعالى ، وما فيها من الحسن والإتقان ، وبديع الصنعة ، وبديع الخلقة ، دليل على أن الله أحكم الحاكمين ، وأنه بكل شيء عليم ، وما فيها من المنافع والمصالح للعباد ، دليل على رحمة الله التي وسعت كل شيء ، وجوده الذي عم كل حي ، وما فيها من عظم الخلقة وبديع النظام ، دليل على أن الله تعالى هو الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً ، ولم يكن له كفواً أحد ، وأنه الذي لا تنبغي العبادة والذل [ والحب ] إلا له تعالى . وما فيها من إحياء الأرض بعد موتها ، دليل على إحياء الله الموتى ، ليجازيهم بأعمالهم ، ولهذا قال : { وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ ٱلْخُرُوجُ } . ولما ذكرهم بهذه الآيات السماوية والأرضية ، خوَّفهم أخذات الأمم ، وألاَّ يستمروا على ما هم عليه من التكذيب ، فيصيبهم ما أصاب إخوانهم من المكذبين ، فقال : { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ … } .