Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 54, Ayat: 1-5)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى أن الساعة وهي القيامة اقتربت وآن أوانها ، وحان وقت مجيئها ، ومع ذلك ، فهؤلاء المكذبون لم يزالوا مكذبين بها ، غير مستعدين لنزولها ، ويريهم الله من الآيات العظيمة الدالة على وقوعها ما يؤمن على مثله البشر ، فمن أعظم الآيات الدالة على صحة ما جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، أنه لما طلب منه المكذبون أن يريهم من خوارق العادات ما يدل على [ صحة ما جاء به و ] صدقه ، أشار صلى الله عليه وسلم إلى القمر بإذن الله تعالى ، فانشق فلقتين ، فلقة على جبل أبي قبيس ، وفلقة على جبل قعيقعان ، والمشركون وغيرهم يشاهدون هذه الآية الكبرى الكائنة في العالم العلوي ، التي لا يقدر الخلق على التمويه بها والتخييل ، فشاهدوا أمراً ما رأوا مثله ، بل ولم يسمعوا أنه جرى لأحد من المرسلين قبله نظيره ، فانبهروا لذلك ، ولم يدخل الإيمان في قلوبهم ، ولم يرد الله بهم خيراً ، ففزعوا إلى بهتهم وطغيانهم ، وقالوا : سحرنا محمد ، ولكن علامة ذلك أنكم تسألون من قدم إليكم من السفر ، فإنه وإن قدر على سحركم ، لا يقدر أن يسحر من ليس مشاهداً مثلكم ، فسألوا كل من قدم ، فأخبرهم بوقوع ذلك ، فقالوا : { سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } سحرنا محمد وسحر غيرنا ، وهذا من البهت ، الذي لا يروج إلا على أسفه الخلق وأضلهم عن الهدى والعقل ، وهذا ليس إنكاراً منهم لهذه الآية وحدها ، بل كل آية تأتيهم ، فإنهم مستعدون لمقابلتها بالباطل والرد لها ، ولهذا قال : { وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ } ولم يعد الضمير على انشقاق القمر فلم يقل : وإن يروها بل قال : { وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ } وليس قصدهم اتباع الحق والهدى ، وإنما قصدهم اتباع الهوى ، ولهذا قال : { وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ } كقوله تعالى : { فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ } [ القصص : 50 ] فإنه لو كان قصدهم اتباع الهدى ، لآمنوا قطعاً ، واتبعوا محمداً صلى الله عليه وسلم ، لأنه أراهم الله على يديه من البينات والبراهين والحجج القواطع ، ما دلّ على جميع المطالب الإلهية ، والمقاصد الشرعية ، { وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ } أي : إلى الآن ، لم يبلغ الأمر غايته ومنتهاه ، وسيصير الأمر إلى آخره ، فالمصدق يتقلب في جنات النعيم ، ومغفرة الله ورضوانه ، والمكذب يتقلب في سخط الله وعذابه ، خالداً مخلداً أبداً . وقال تعالى - مبيناً أنهم ليس لهم قصد صحيح ، ولا اتباع للهدى - : { وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلأَنبَآءِ } أي : الأخبار السابقة واللاحقة والمعجزات الظاهرة { مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } أي : زاجر يزجرهم عن غيهم وضلالهم ، وذلك { حِكْمَةٌ } منه تعالى { بَالِغَةٌ } أي : لتقوم حجته على المخالفين ، ولا يبقى لأحد على الله حجة بعد الرسل ، { فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ } كقوله تعالى : { وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } [ يونس : 97 ] .