Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 57, Ayat: 20-21)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى عن حقيقة الدنيا وما هي عليه ، ويبين غايتها وغاية أهلها ، بأنها لعب ولهو ، تلعب بها الأبدان ، وتلهو بها القلوب ، وهذا مصداقه ما هو موجود وواقع من أبناء الدنيا ، فإنك تجدهم قد قطعوا أوقات أعمارهم بلهو القلوب ، والغفلة عن ذكر الله ، وعمّا أمامهم من الوعد والوعيد ، وتراهم قد اتخذوا دينهم لعباً ولهواً ، بخلاف أهل اليقظة وعُمَّال الآخرة ، فإن قلوبهم معمورة بذكر الله ، ومعرفته ومحبته ، وقد أشغلوا أوقاتهم بالأعمال التي تقربهم إلى الله ، من النفع القاصر والمتعدي . [ وقوله : ] { وَزِينَةٌ } أي : تزيّنٌ في اللباس والطعام والشراب ، والمراكب والدور والقصور والجاه . [ وغير ذلك ] { وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ } أي : كل واحد من أهلها يريد مفاخرة الآخر ، وأن يكون هو الغالب في أمورها ، والذي له الشهرة في أحوالها ، { وَتَكَاثُرٌ فِي ٱلأَمْوَٰلِ وَٱلأَوْلَٰدِ } أي : كلٌّ يريد أن يكون هو الكاثر لغيره في المال والولد ، وهذا مصداقه ، وقوعه من مُحبِّي الدنيا والمطمئنين إليها . بخلاف من عرف الدنيا وحقيقتها ، فجعلها معبراً ولم يجعلها مستقراً ، فنافس فيما يقربه إلى الله ، واتخذ الوسائل التي توصله إلى الله ، وإذا رأى من يكاثره وينافسه بالأموال والأولاد ، نافسه بالأعمال الصالحة . ثم ضرب للدنيا مثلاً بغيث نزل على الأرض ، فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام ، حتى إذا أخذت الأرض زخرفها ، وأعجب نباته الكفار ، الذين قصروا همهم ونظرهم إلى الدنيا جاءها من أمر الله [ ما أتلفها ] فهاجت ويبست ، فعادت على حالها الأولى ، كأنه لم ينبت فيها خضراء ، ولا رُؤيَ لها مرأى أنيق ، كذلك الدنيا ، بينما هي زاهية لصاحبها زاهرة ، مهما أراد من مطالبها حصل ، ومهما توجه لأمر من أمورها وجد أبوابه مفتحة ، إذ أصابها القدر بما أذهبها من يده ، وأزال تسلطه عليها ، أو ذُهِب به عنها ، فرحل منها صفر اليدين ، لم يتزود منها سوى الكفن ، فتبّاً لمن أضحت هي غاية أمنيته ولها عمله وسعيه . وأما العمل للآخرة فهو الذي ينفع ، ويدخر لصاحبه ، ويصحب العبد على الأبد ، ولهذا قال تعالى : { وَفِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنٌ } أي : حال الآخرة ، ما يخلو من هذين الأمرين : إما العذاب الشديد في نار جهنم ، وأغلالها وسلاسلها وأهوالها لمن كانت الدنيا هي غايته ومنتهى مطلبه ، فتجرأ على معاصي الله ، وكذب بآيات الله ، وكفر بأنعم الله . وإما مغفرة من الله للسيئات ، وإزالة للعقوبات ، ورضوان من الله ، يحل من أحله به دار الرضوان لمن عرف الدنيا ، وسعى للآخرة سعيها . فهذا كله مما يدعو إلى الزهد في الدنيا ، والرغبة في الآخرة ، ولهذا قال : { وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ } أي : إلا متاع يتمتع به وينتفع به ، ويستدفع به الحاجات ، لا يغتر به ويطمئن إليه إلا أهل العقول الضعيفة الذين يغرهم بالله الغرور . ثم أمر بالمسابقة إلى مغفرة الله ورضوانه وجنته ، وذلك يكون بالسعي بأسباب المغفرة ، من التوبة النصوح ، والاستغفار النافع ، والبعد عن الذنوب ومظانها ، والمسابقة إلى رضوان الله بالعمل الصالح ، والحرص على ما يرضي الله على الدوام ، من الإحسان في عبادة الخالق ، والإحسان إلى الخلق بجميع وجوه النفع ، ولهذا ذكر الله الأعمال الموجبة لذلك ، فقال : { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ } والإيمان بالله ورسله ، يدخل فيه أصول الدين وفروعها ، { ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } أي : هذا الذي بيّناه لكم ، وذكرنا لكم فيه الطرق الموصلة إلى الجنة ، والطرق الموصلة إلى النار ، وأن فضل الله بالثواب الجزيل والأجر العظيم ، من أعظم منّته على عباده وفضله . { وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } الذي لا يُحصى ثناءً عليه ، بل هو كما أثنى على نفسه ، وفوق ما يثني عليه عباده .