Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 122-124)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى : { أَوَ مَن كَانَ } من قبل هداية الله له { مَيْتاً } في ظلمات الكفر والجهل والمعاصي ، { فَأَحْيَيْنَٰهُ } بنور العلم والإيمان والطاعة ، فصار يمشي بين الناس في النور ، متبصراً في أموره مهتدياً لسبيله ، عارفاً للخير مؤثراً له ، مجتهداً في تنفيذه في نفسه وغيره ، عارفاً بالشر ، مبغضاً له ، مجتهداً في تركه وإزالته عن نفسه وعن غيره . أفيستوي هذا بمَنْ هو في الظلمات ، ظلمات الجهل والغي ، والكفر والمعاصي . { لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا } قد التبست عليه الطرق ، وأظلمت عليه المسالك ، فحضره لهم والغم والحزن والشقاء . فنبه تعالى العقول بما تدركه وتعرفه ، أنه لا يستوي هذا ولا هذا كما لا يستوي الليل والنهار ، والضياء والظلمة ، والأحياء والأموات . فكأنه قيل : فكيف يؤثر مَنْ له أدنى مسكة من عقل ، أن يكون بهذه الحالة ، وأن يبقى في الظلمات متحيراً : فأجاب بأنه { زُيِّنَ لِلْكَٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } فلم يزل الشيطان يحسن لهم أعمالهم ، ويزينها في قلوبهم ، حتى استحسنوها ورأوها حقاً . وصار ذلك عقيدة في قلوبهم ، وصفة راسخة ملازمة لهم ، فلذلك رضوا بما هم عليه من الشر والقبائح . وهؤلاء الذين في الظلمات يعمهون ، وفي باطلهم يترددون غير متساوين . فمنهم : القادة ، والرؤساء ، والمتبوعون ، ومنهم : التابعون المرؤوسون ، والأولون منهم الذين فازوا بأشقى الأحوال ، ولهذا قال : { وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَٰبِرَ مُجْرِمِيهَا } أي : الرؤساء الذين قد كبر جرمهم ، واشتد طغيانهم { لِيَمْكُرُواْ فِيهَا } بالخديعة والدعوة إلى سبيل الشيطان ، ومحاربة الرسل وأتباعهم بالقول والفعل ، وإنما مكرهم وكيدهم يعود على أنفسهم ، لأنهم يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين . وكذلك يجعل الله كبار أئمة الهدى وأفاضلهم يناضلون هؤلاء المجرمين ، ويردون عليهم أقوالهم ويجاهدونهم في سبيل الله ، ويسلكون بذلك السبل الموصلة إلى ذلك ، ويعينهم الله ويسدد رأيهم ويثبت أقدامهم ، ويداول الأيام بينهم وبين أعدائهم ، حتى يدول الأمر في عاقبته بنصرهم وظهورهم ، والعاقبة للمتقين . وإنما ثبت أكابر المجرمين على باطلهم ، وقاموا برد الحق الذي جاءت به الرسل ، حسداً منهم وبغياً ، فقالوا : { لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِ } من النبوة والرسالة . وفي هذا اعتراض منهم على الله ، وعجب بأنفسهم ، وتكبر على الحق الذي أنزله على أيدي رسله ، وتحجر على فضل الله وإحسانه . فرد الله عليهم اعتراضهم الفاسد ، وأخبر أنهم لا يصلحون للخير ، ولا فيهم ما يوجب أن يكونوا من عباد الله الصالحين ، فضلاً أن يكونوا من النبيين والمرسلين ، فقال : { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } فيمن علمه يصلح لها ، ويقوم بأعبائها ، وهو متصف بكل خلق جميل ، ومتبرؤ من كل خلق دنيء ، أعطاه الله ما تقتضيه حكمته أصلاً وتبعاً ، ومن لم يكن كذلك ، لم يضع أفضل مواهبه ، عند من لا يستأهله ، ولا يزكو عنده . وفي هذه الآية دليل على كمال حكمة الله تعالى ، لأنه وإن كان تعالى رحيماً واسع الجود كثير الإحسان ، فإنه حكيم لا يضع جوده إلا عند أهله ، ثم توعد المجرمين فقال : { سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ } أي : إهانة وذل ، كما تكبروا على الحق ، أذلهم الله . { وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ } أي : بسبب مكرهم ، لا ظلماً منه تعالى .