Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 136-140)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى عمَّا عليه المشركون المكذبون للنبي صلى الله عليه وسلم ، من سفاهة العقل وخفة الأحلام ، والجهل البليغ ، وعدَّد تبارك وتعالى شيئاً من خرافاتهم لينبه بذلك على ضلالهم والحذر منهم ، وأن معارضة أمثال هؤلاء السفهاء للحق الذي جاء به الرسول ، لا تقدح فيه أصلاً ، فإنهم لا أهلية لهم في مقابلة الحق ، فذكر من ذلك أنهم { وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَٰمِ نَصِيباً } ولشركائهم من ذلك نصيباً ، والحال أن الله تعالى هو الذي ذرأه للعباد ، وأوجده رزقاً ، فجمعوا بين محذورين محظورين ، بل ثلاثة محاذير ، منَّتهم على الله في جعلهم له نصيباً ، مع اعتقادهم أن ذلك منهم تبرع ، وإشراك الشركاء الذين لم يرزقوهم ، ولم يوجدوا لهم شيئاً في ذلك ، وحكمهم الجائر في أن ما كان لله لم يبالوا به ولم يهتموا ، ولو كان واصلاً إلى الشركاء ، وما كان لشركائهم اعتنوا به واحتفظوا به ولم يصل إلى الله منه شيء ، وذلك أنهم إذا حصل لهم - من زروعهم وثمارهم وأنعامهم التي أوجدها الله لهم - شيء ، جعلوه قسمين : قسماً قالوا : هذا لله بقولهم وزعمهم ، وإلا فالله لا يقبل إلاّ ما كان خالصاً لوجهه ، ولا يقبل عمل مَن أشرك به . وقسماً جعلوه حصة شركائهم من الأوثان والأنداد . فإن وصل شيء مما جعلوه لله ، واختلط بما جعلوه لغيره ، لم يبالوا بذلك ، وقالوا : الله غني عنه ، فلا يردونه ، وإن وصل شيء مما جعلوه لآلهتهم إلى ما جعلوه لله ، ردوه إلى محله ، وقالوا : إنها فقيرة ، لا بد من رد نصيبها . فهل أسوأ من هذا الحكم . وأظلم ؟ ! ! حيث جعلوا ما للمخلوق ، يجتهد فيه وينصح ويحفظ ، أكثر مما يفعل بحق الله . ويحتمل أن تأويل الآية الكريمة ، ما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عن الله تعالى أنه قال : " أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، مَنْ أشرك معي شيئاً تركته وشركه " . وأن معنى الآية أن ما جعلوه وتقربوا به لأوثانهم ، فهو تقرب خالص لغير الله ، ليس لله منه شيء ، وما جعلوه لله - على زعمهم - فإنه لا يصل إليه لكونه شركاً ، بل يكون حظ الشركاء والأنداد ، لأن الله غني عنه ، لا يقبل العمل الذي أُشرِك به معه أحد من الخلق . ومن سفه المشركين وضلالهم أنه زيَّن لكثير من المشركين شركاؤهم - أي : رؤساؤهم وشياطينهم - قتل أولادهم ، وهو : الوأد ، الذين يدفنون أولادهم الذكور خشية الافتقار ، والإناث خشية العار . وكل هذا من خدع الشياطين ، الذين يريدون أن يُرْدُوهم بالهلاك ، ويلبسوا عليهم دينهم ، فيفعلون الأفعال التي في غاية القبح ، ولا يزال شركاؤهم يزينونها لهم ، حتى تكون عندهم من الأمور الحسنة والخصال المستحسنة ، ولو شاء الله أن يمنعهم ويحول بينهم وبين هذه الأفعال ، ويمنع أولادهم عن قتل الأبوين لهم ، ما فعلوه ، ولكن اقتضت حكمته التخلية بينهم وبين أفعالهم ، استدراجاً منه لهم ، وإمهالاً لهم ، وعدم مبالاة بما هم عليه ، ولهذا قال : { فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } أي : دعهم مع كذبهم وافترائهم ، ولا تحزن عليهم ، فإنهم لن يضروا الله شيئاً . ومن أنواع سفاهتهم أن الأنعام التي أحلها الله لهم عموماً ، وجعلها رزقاً ورحمة ، يتمتعون بها وينتفعون ، قد اخترعوا فيها بِدعاً وأقوالاً من تلقاء أنفسهم ، فعندهم اصطلاح في بعض الأنعام [ والحرث ] أنهم يقولون فيها : { هَـٰذِهِ أَنْعَٰمٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ } أي : محرم { لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ } أي : لا يجوز أن يطعمه أحد ، إلا مَنْ أردنا أن يطعمه ، أو وصفناه بوصف - من عندهم - . وكل هذا بزعمهم لا مستند لهم ولا حجة ، إلا أهويتهم وآراؤهم الفاسدة . وأنعام ليست محرمة من كل وجه ، بل يحرمون ظهورها أي : بالركوب والحمل عليها ، ويحمون ظهرها ، ويسمونها الحام ، وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها ، بل يذكرون اسم أصنامهم وما كانوا يعبدون من دون الله عليها ، وينسبون تلك الأفعال إلى الله ، وهم كذبة فُجَّار في ذلك . { سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } على الله من إحلال الشرك ، وتحريم الحلال من الأكل ، والمنافع . ومن آرائهم السخيفة أنهم يجعلون بعض الأنعام ويعينونها - محرماً ما في بطنها على الإناث دون الذكور ، فيقولون : { مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا } أي : حلال لهم ، لا يشاركهم فيها النساء ، { وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَٰجِنَا } أي : نسائنا ، هذا إذا ولد حياً ، وإن يكن ما [ في ] بطنها يولد ميتاً ، فهم فيه شركاء ، أي : فهو حلال للذكور والإناث . { سَيَجْزِيهِمْ } الله { وَصْفَهُمْ } حين وصفوا ما أحله الله بأنه حرام ، ووصفوا الحرام بالحلال ، فناقضوا شرع الله وخالفوه ، ونسبوا ذلك إلى الله . { إِنَّهُ حِكِيمٌ } حيث أمهل لهم ، ومكنهم مما هم فيه من الضلال . { عَلِيمٌ } بهم ، لا تخفى عليه خافية ، وهو تعالى يعلم بهم وبما قالوه عليه وافتروه ، وهو يعافيهم ويرزقهم جل جلاله . ثم بيّن خسرانهم وسفاهة عقولهم فقال : { قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُوۤاْ أَوْلَٰدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي : خسروا دينهم وأولادهم وعقولهم ، وصار وصفهم - بعد العقول الرزينة - السفه المردي والضلال . { وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ } أي : ما جعله رحمة لهم ، وساقه رزقاً لهم . فردوا كرامة ربهم ، ولم يكتفوا بذلك ، بل وصفوها بأنها حرام ، وهي من أحل الحلال . وكل هذا { ٱفْتِرَآءً عَلَى ٱللَّهِ } أي : كذباً يكذب به كل معاند كَفَّار . { قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } أي : قد ضلوا ضلالاً بعيداً ، ولم يكونوا مهتدين في شيء من أمورهم .