Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 145-146)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما ذكر تعالى ذم المشركين على ما حرموا من الحلال ونسبوه إلى الله ، وأبطل قولهم . أمر تعالى رسوله أن يبيّن للناس ما حرّمه الله عليهم ، ليعلموا أن ما عدا ذلك حلال ، مَنْ نسب تحريمه إلى الله فهو كاذب مبطل ، لأن التحريم لا يكون إلا من عند الله على لسان رسوله ، وقد قال لرسوله : { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَىٰ طَاعِمٍ } أي : محرماً أكله ، بقطع النظر عن تحريم الانتفاع بغير الأكل وعدمه . { إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً } والميتة : ما مات بغير ذكاة شرعية ، فإن ذلك لا يحل . كما قال تعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ } [ المائدة : 3 ] . { أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً } وهو الدم الذي يخرج من الذبيحة عند ذكاتها ، فإنه الدم الذي يضر احتباسه في البدن ، فإذا خرج من البدن زال الضرر بأكل اللحم ، ومفهوم هذا اللفظ ، أن الدم الذي يبقى في اللحم والعروق بعد الذبح ، أنه حلال طاهر . { أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ } أي : فإن هذه الأشياء الثلاثة رجس ، أي : خبث نجس مضر ، حرمه الله لطفاً بكم ، ونزاهة لكم عن مقاربة الخبائث . { أَوْ } إلا أن يكون { فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } أي : إلا أن تكون الذبيحة مذبوحة لغير الله ، من الأوثان والآلهة التي يعبدها المشركون ، فإن هذا من الفسق الذي هو الخروج عن طاعة الله إلى معصيته ، أي : ومع هذا ، فهذه الأشياء المحرمات ، من اضطر إليها ، أي : حملته الحاجة والضرورة إلى أكل شيء منها ، بأن لم يكن عنده شيء وخاف على نفسه التلف . { غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ } أي : { غَيْرَ بَاغٍ } أي : مريدٍ لأكلها ، من غير اضطرار وَلا متعدٍ ، أي : متجاوز للحد ، بأن يأكل زيادة عن حاجته . { فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي : فالله قد سامح مَنْ كان بهذه الحال . واختلف العلماء رحمهم الله في هذا الحصر المذكور في هذه الآية ، مع أن ثَمَّ محرمات لم تذكر فيها ، كالسباع وكل ذي مخلب من الطير ونحو ذلك ، فقال بعضهم : إن هذه الآية نازلة قبل تحريم ما زاد على ما ذكر فيها ، فلا ينافي هذا الحصر المذكور فيها التحريم المتأخر بعد ذلك لأنه لم يجده فيما أوحي إليه في ذلك الوقت ، وقال بعضهم : إن هذه الآية مشتملة على سائر المحرمات ، بعضها صريحاً ، وبعضها يؤخذ من المعنى وعموم العلة . فإن قوله تعالى في تعليل الميتة والدم ولحم الخنزير ، أو الأخير منها فقط : { فَإِنَّهُ رِجْسٌ } وصف شامل لكل محرم ، فإن المحرمات كلها رجس وخبث ، وهي من الخبائث المستقذرة التي حرمها الله على عباده ، صيانة لهم وتكرمة عن مباشرة الخبيث الرجس . ويؤخذ تفاصيل الرجس المحرم من السُنَّة ، فإنها تفسر القرآن ، وتبين المقصود منه ، فإذا كان الله تعالى لم يحرم من المطاعم إلا ما ذكر ، والتحريم لا يكون مصدره إلا شرع الله - دلّ ذلك على أن المشركين ، الذين حرموا ما رزقهم الله مفترون على الله ، متقولون عليه ما لم يقل . وفي الآية احتمال قوي ، لولا أن الله ذكر فيها الخنزير ، وهو أن السياق في نقض أقوال المشركين المتقدمة ، في تحريمهم لما أحله الله وخوضهم بذلك ، بحسب ما سولت لهم أنفسهم ، وذلك في بهيمة الأنعام خاصة ، وليس منها محرم إلا ما ذكر في الآية : الميتة منها ، وما أهل لغير الله به ، وما سوى ذلك فحلال . ولعل مناسبة ذكر الخنزير هنا على هذا الاحتمال ، أن بعض الجهال قد يدخله في بهيمة الأنعام ، وأنه نوع من أنواع الغنم ، كما قد يتوهمه جهلة النصارى وأشباههم ، فينمونها كما ينمون المواشي ، ويستحلونها ، ولا يفرقون بينها وبين الأنعام ، فهذا المحرم على هذه الأُمة كله من باب التنزيه لهم والصيانة . وأما ما حرم على أهل الكتاب ، فبعضه طيب ولكنه حرم عليهم عقوبة لهم ، ولهذا ، قال : { وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ } وذلك كالإبل وما أشبهها وحرمنا عليهم { مِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ } بعض أجزائها ، وهو : { شُحُومَهُمَآ } وليس المحرم جميع الشحوم منها ، بل شحم الألية والثرب ، ولهذا استثنى الشحم الحلال من ذلك فقال : { إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ ٱلْحَوَايَآ } أي : الشحم المخالط للأمعاء { أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بِعَظْمٍ } . { ذٰلِكَ } التحريم على اليهود { جَزَيْنَٰهُم بِبَغْيِهِمْ } أي : ظلمهم وتعديهم في حقوق الله وحقوق عباده ، فحرم الله عليهم هذه الأشياء عقوبة لهم ونكالاً . { وِإِنَّا لَصَٰدِقُونَ } في كل ما نقول ونفعل ونحكم به ، ومَنْ أصدق من الله حديثاً ، ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون .