Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 148-149)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا إخبار من الله أن المشركين سيحتجون على شركهم وتحريمهم ما أحل الله بالقضاء والقدر ، ويجعلون مشيئة الله الشاملة لكل شيء من الخير والشر ، حجة لهم في دفع اللوم عنهم . وقد قالوا ما أخبر الله أنهم سيقولونه ، كما قال في الآية الأخرى : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ } الآية [ النحل : 35 ] . فأخبر تعالى أن هذه الحجة لم تزل الأُمم المكذبة تدفع بها عنهم دعوة الرسل ويحتجون بها ، فلم تجد فيهم شيئاً ولم تنفعهم ، فلم يزل هذا دأبهم حتى أهكلهم الله وأذاقهم بأسه . فلو كانت حجة صحيحة ، لدفعت عنهم العقاب ، ولما أحل الله بهم العذاب ، لأنه لا يحل بأسه إلا بمن استحقه ، فعلم أنها حجة فاسدة ، وشبهة كاسدة من عدة أوجه : منها : ما ذكر الله من أنها لو كانت صحيحة لم تحل بهم العقوبة . ومنها : أن الحجة لا بد أن تكون حجة مستندة إلى العلم والبرهان ، فأما إذا كانت مستندة إلى مجرد الظن والخرص الذي لا يُغني من الحق شيئاً ، فإنها باطلة ، ولهذا قال : { قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ } فلو كان لهم علم - وهم خصوم ألداء - لأخرجوه ، فلما لم يخرجوه علم أنه لا علم عندهم . { إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ } ومَنْ بنى حججه على الخرص والظن ، فهو مبطل خاسر ، فكيف إذا بناها على البغي والعناد والشر والفساد ؟ ومنها : أن الحجة لله البالغة ، التي لم تبق لأحد عذراً ، التي اتفقت عليها الأنبياء والمرسلون ، والكتب الإلهية ، والآثار النبوية ، والعقول الصحيحة ، والفطر المستقيمة ، والأخلاق القويمة ، فعلم بذلك أن كل ما خالف هذه الأدلة القاطعة باطل ، لأن نقيض الحق لا يكون إلا باطلاً . ومنها : أن الله تعالى أعطى كل مخلوق قدرة وإرادة يتمكن بها من فعل ما كُلِّف به ، فلا أوجب الله على أحد ما لا يقدر على فعله ، ولا حرم على أحد ما لا يتمكن من تركه ، فالاحتجاج بعد هذا بالقضاء والقدر ، ظلم محض وعناد صرف . ومنها : أن الله تعالى لم يجبر العباد على أفعالهم ، بل جعل أفعالهم تبعاً لاختيارهم ، فإن شاؤوا فعلوا ، وإن شاؤوا كفوا . وهذا أمر مشاهد لا ينكره إلا مَنْ كابر وأنكر المحسوسات ، فإن كل أحد يفرق بين الحركة الاختيارية والحركة القسرية ، وإن كان الجميع داخلاً في مشيئة الله ، ومندرجاً تحت إرادته . ومنها : أن المحتجين على المعاصي بالقضاء والقدر يتناقضون في ذلك . فإنهم لا يمكنهم أن يطردوا ذلك ، بل لو أساء إليهم مسيء بضرب أو أخذ مال أو نحو ذلك ، واحتج بالقضاء والقدر ، لما قبلوا منه هذا الاحتجاج ، ولغضبوا من ذلك أشد الغضب . فيا عجباً كيف يحتجون به على معاصي الله ومساخطه . ولا يرضون من أحد أن يحتج به في مقابلة مساخطهم ؟ ! ! ومنها : أن احتجاجهم بالقضاء والقدر ليس مقصوداً ، ويعلمون أنه ليس بحجة ، وإنما المقصود منه دفع الحق ، ويرون أن الحق بمنزلة الصائل ، فهم يدفعونه بكل ما يخطر ببالهم من الكلام وإن كانوا يعتقدونه خطأً .