Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 85-90)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما ذكر الله تعالى عبده وخليله إبراهيم عليه السلام ، وذكر ما مَنَّ الله عليه به من العلم والدعوة والصبر ، ذكر ما أكرمه الله به من الذرية الصالحة ، والنسل الطيب . وأن الله جعل صفوة الخلق من نسله ، وأعظم بهذه المنقبة والكرامة الجسيمة ، التي لا يدرك لها نظير فقال : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } ابنه ، الذي هو إسرائيل ، أبو الشعب الذي فضله الله على العالمين . { كُلاًّ } منهما { هَدَيْنَا } الصراط المستقيم في علمه وعمله . { وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ } وهدايته من أنواع الهدايات الخاصة التي لم تحصل إلا لأفراد من العالم وهم أولو العزم من الرسل ، الذي هو أحدهم . { وَمِن ذُرِّيَّتِهِ } يحتمل أن الضمير عائد إلى نوح ، لأنه أقرب مذكور ، ولأن الله ذكر مع مَنْ ذكر لوطاً ، وهو من ذرية نوح ، لا من ذرية إبراهيم لأنه ابن أخيه . ويحتمل أن الضمير يعود إلى إبراهيم ، لأن السياق في مدحه والثناء عليه ، ولوط - وإن لم يكن من ذريته - فإنه ممن آمن على يده ، فكان منقبة الخليل وفضيلته بذلك ، أبلغ من كونه مجرد ابن له . { دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ } بن داود { وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ } بن يعقوب . { وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ } ابني عمران ، { وَكَذَلِكَ } كما أصلحنا ذرية إبراهيم الخليل ، لأنه أحسن في عبادة ربه ، وأحسن في نفع الخلق { نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } بأن نجعل لهم من الثناء الصدق ، والذرية الصالحة بحسب إحسانهم . { وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ } ابنه { وَعِيسَىٰ } ابن مريم . { وَإِلْيَاسَ كُلٌّ } من هؤلاء { مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } في أخلاقهم وأعمالهم وعلومهم ، بل هم سادة الصالحين وقادتهم وأئمتهم . { وَإِسْمَاعِيلَ } بن إبراهيم أبو الشعب الذي هو أفضل الشعوب ، وهو الشعب العربي ، ووالد سيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وسلم { وَيُونُسَ } بن متى { وَلُوطاً } بن هاران ، أخي إبراهيم . { وَكُلاًّ } من هؤلاء الأنبياء والمرسلين { فَضَّلْنَا عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } لأن درجات الفضائل أربع - وهي التي ذكرها الله بقوله : { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ } [ النساء : 69 ] فهؤلاء من الدرجة العليا ، بل هم أفضل الرسل على الإطلاق ، فالرسل الذين قصهم الله في كتابه ، أفضل ممن لم يقص علينا نبأهم بلا شك . { وَمِنْ آبَائِهِمْ } أي : آباء هؤلاء المذكورين { وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ } أي : وهدينا من آباء هؤلاء وذرياتهم وإخوانهم . { وَٱجْتَبَيْنَاهُمْ } أي : اخترناهم { وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } . { ذٰلِكَ } الهدى المذكور { هُدَى ٱللَّهِ } الذي لا هدى إلا هداه . { يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } فاطلبوا منه الهدى فإنه إن لم يهدكم فلا هادي لكم غيره ، وممن شاء هدايته هؤلاء المذكورون . { وَلَوْ أَشْرَكُواْ } على الفرض والتقدير { لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } فإن الشرك محبط للعمل ، موجب للخلود في النار . فإذا كان هؤلاء الصفوة الأخيار ، لو أشركوا - وحاشاهم - لحبطت أعمالهم ، فغيرهم أولى . { أُوْلَـٰئِكَ } المذكورون { ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } أي : امش - أيها الرسول الكريم - خلف هؤلاء الأنبياء الأخيار ، واتبع ملتهم وقد امتثل صلى الله عليه وسلم ، فاهتدى بهدي الرسل قبله ، وجمع كل كمال فيهم . فاجتمعت لديه فضائل وخصائص فاق بها جميع العالمين ، وكان سيد المرسلين وإمام المتقين ، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين ، وبهذا الملحظ استدل بهذه من استدل من الصحابة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل كلهم . { قُل } للذين أعرضوا عن دعوتك : { لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً } أي : لا أطلب منكم مغرماً ومالاً جزاء عن إبلاغي إياكم ، ودعوتي لكم فيكون من أسباب امتناعكم ، إن أجري إلاّ على الله . { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ } يتذكرون به ما ينفعهم فيفعلونه ، وما يضرهم فيذرونه ويتذكرون به معرفة ربهم بأسمائه وأوصافه . ويتذكرون به الأخلاق الحميدة ، والطرق الموصلة إليها ، والأخلاق الرذيلة ، والطرق المفضية إليها ، فإذا كان ذكرى للعالمين ، كان أعظم نعمة أنعم الله بها عليهم ، فعليهم قبولها والشكر عليها .