Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 74-83)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّيۤ أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * وَكَذَلِكَ نُرِيۤ إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلْمُوقِنِينَ } . إلى آخر القصة . يقول تعالى : واذكر قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، مثنياً عليه ومعظماً في حال دعوته إلى التوحيد ، ونهيه عن الشرك ، وإذ قال لأبيه { آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً } أي : لا تنفع ولا تضر وليس لها من الأمر شيء ، { إِنِّيۤ أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } حيث عبدتم من لا يستحق من العبادة شيئاً ، وتركتم عبادة خالقكم ، ورازقكم ومدبركم . { وَكَذَلِكَ } حين وفقناه للتوحيد والدعوة إليه { نُرِيۤ إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي : ليرى ببصيرته ما اشتملت عليه من الأدلة القاطعة ، والبراهين الساطعة { وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلْمُوقِنِينَ } فإنه بحسب قيام الأدلة يحصل له الإيقان ، والعلم التام بجميع المطالب . { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلْلَّيْلُ } أي : أظلم { رَأَى كَوْكَباً } لعله من الكواكب المضيئة ، لأن تخصيصه بالذكر يدل على زيادته عن غيره ، ولهذا - والله أعلم - قال مَنْ قال : إنه الزهرة . { قَالَ هَـٰذَا رَبِّي } أي : على وجه التنزل مع الخصم أي : هذا ربي ، فهلم ننظر ، هل يستحق الربوبية ؟ وهل يقوم لنا دليل على ذلك ؟ فإنه لا ينبغي لعاقل أن يتخذ إلهه هواه بغير حجة ولا برهان . { فَلَمَّآ أَفَلَ } أي : غاب ذلك الكوكب { قَالَ لاۤ أُحِبُّ ٱلآفِلِينَ } أي : الذي يغيب ويختفي عمّن عبده ، فإن المعبود لا بد أن يكون قائماً بمصالح من عبده ، ومدبراً له في جميع شؤونه ، فأما الذي يمضي وقت كثير وهو غائب ، فمن أين يستحق العبادة ؟ ! وهل اتخاذه إلهاً إلا من أسفه السفه ، وأبطل الباطل ؟ ! { فَلَمَّآ رَأَى ٱلْقَمَرَ بَازِغاً } أي : طالعاً ، رأى زيادته على نور الكواكب ومخالفته لها { قَالَ هَـٰذَا رَبِّي } تنزلاً . { فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلضَّالِّينَ } فافتقر غاية الافتقار إلى هداية ربه ، وعلم أنه إن لم يهده الله فلا هادي له ، وإن لم يعنه على طاعته فلا معين له . { فَلَماَّ رَأَى ٱلشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي هَـٰذَآ أَكْبَرُ } من الكوكب ومن القمر . { فَلَمَّآ أَفَلَتْ } تقرر حينئذ الهدى ، واضمحل الردى فـ { قَالَ يٰقَوْمِ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } حيث قام البرهان الصادق الواضح على بطلانه . { إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً } أي : لله وحده ، مقبلاً عليه ، معرضاً عن مَنْ سواه . { وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } فتبرأ من الشرك ، وأذعن بالتوحيد ، وأقام على ذلك البرهان [ وهذا الذي ذكرنا في تفسير هذه الآيات هو الصواب ، وهو أن المقام مقام مناظرة ، من إبراهيم لقومه وبيان بطلان إلهية هذه الأجرام العلوية وغيرها . وأما من قال إنه مقام نظر في حال طفوليته فليس عليه دليل ] . { وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَٰجُّوۤنِّي فِي ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ } أي فائدة لمحاجة من لم يتبين له الهدى ؟ فأما مَنْ هداه الله ، ووصل إلى أعلى درجات اليقين ، فإنه - هو بنفسه - يدعو الناس إلى ما هو عليه . { وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ } فإنها لن تضرني ، ولن تمنع عني من النفع شيئاً . { إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ } فتعلمون أنه وحده المعبود المستحق للعبودية . { وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ } وحالها حال العجز وعدم النفع ، { وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَٰناً } أي : إلا بمجرد اتباع الهوى . { فَأَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } . قال الله تعالى فاصلاً بين الفريقين { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ } أي : يخلطوا { إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } الأمن من المخاوف والعذاب والشقاء ، والهدايةُ إلى الصراط المستقيم ، فإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بظلم مطلقاً ، لا بشرك ولا بمعاص ، حصل لهم الأمن التام والهداية التامة . وإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بالشرك وحده ولكنهم يعملون السيئات ، حصل لهم أصل الهداية وأصل الأمن ، وإن لم يحصل لهم كمالها . ومفهوم الآية الكريمة ، أن الذين لم يحصل لهم الأمران ، لم يحصل لهم هداية ولا أمن ، بل حظهم الضلال والشقاء . ولما حكم لإبراهيم عليه السلام ، بما بين به من البراهين القاطعة قال : { وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ } أي : علا بها عليهم ، وفلجهم بها . { نَرْفَعُ دَرَجَٰتٍ مَّن نَّشَآءُ } كما رفعنا درجات إبراهيم عليه السلام في الدنيا والآخرة ، فإن العلم يرفع الله به صاحبه فوق العباد درجات . خصوصاً العالم العامل المعلم ، فإنه يجعله الله إماماً للناس بحسب حاله ، ترمق أفعاله ، وتقتفى آثاره ، ويستضاء بنوره ، ويمشى بعلمه في ظلمة ديجوره . قال تعالى { رْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } [ المجادلة : 11 ] . { إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } فلا يضع العلم والحكمة ، إلا في المحل اللائق بها ، وهو أعلم بذلك المحل وبما ينبغي له .